البراءة كانت نتيجتها نتيجة التوصلية، لأنّ كلا من الأصلين قاصر عن إثبات التوصلية و التعبدية لكونه مثبتا، و هذا أمر واضح عند أهله.
[تحقيق الحال يتضح بالبحث في جهات]
إذا عرفت هذا، فتحقيق الحال يتضح بالبحث في جهات:
الجهة الأولى: في بيان معنى التعبدي و التوصلي.
فنقول: التعبدي: هو ما يكون لقصد القربة دخل في صحة المأتي به بحيث لو أتى بالمأمور به بدون قصد القربة لم يكن مجزيا.
و التوصلي: بخلافه، و يسمى توصليا بالمعنى الأخص، و قد يطلق التوصلي على ما لا يشترط فيه المباشرة سواء كان مشروطا بالقربة أم لا.
ثم إنّ العبادات قد تطلق على ما يقابل المعاملات.
الجهة الثانية: المراد من نية القربة هو جعل العلة الغائية من العمل هو القرب من اللّه تعالى،
و المراد بالقرب هنا الشأن و الرفعة و القبول، لاستحالة القرب المكاني في حقه تعالى.
و هذه العلة الغائية قد تكون معلولة للانبعاث عن الأمر و هو المعبّر عنه بقصد امتثال الأمر، و قد تكون معلولة لقصد تحصيل المصلحة و هو ما يترتب على الطاعة من الثواب مثلا، و قد تكون معلولة لقصد أهلية الآمر، و يؤيد هذا ما ورد من تقسيم العبادة إلى عبادة الأحرار و العبيد و التجار، فإنّها جامع لهذه المصاديق.
و بالجملة: الإتيان بالمأمور به بداعي الأمر أو بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة أو لكونه محبوبا له تعالى، كلّها أمور تعبّر عن العبودية و الانقياد للآمر الحكيم، و لكن المهم أن هذه الدواعي هل هي في رتبة الأمر أو متأخرة عنه فيمتنع أخذها في متعلقه أو لا، أو أنها مختلفة؟ احتمالات.