نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 1 صفحه : 160
فقرب فقهاء العراق القائلين بالقياس، و أحاطهم بعنايته ليحول أنظار الناس إليهم، و بذلك تقل قيمة علماء أهل المدينة الذين هم أهل الفتيا إلى حد كبير، و ما زالت الأقطار الإسلامية عيالا عليهم، إذ هم حملة الحديث و أوثق الناس فيه.
أهل الحديث و أهل الرأي:
و كان الحديث في العراق قليلا و لكن انفتح فيه باب الرأي و القياس، و قد أخذه حماد بن إبراهيم النخعي المتوفى سنة 95 ه- 713 م، و أخذه أبو حنيفة المتوفى سنة 150 هج- عن حماد، و كان أهل الحديث يعيبون أهل الرأي بأنهم يتركون الأحاديث لأقيستهم، و الدين لا يقاس بالرأي، و إنما سموا أهل الرأي لأن عنايتهم بتحصيل وجه من القياس و المعنى المستنبط من الأحكام و بناء الحوادث عليها، و ربما يقدمون القياس الجلي على آحاد الأخبار؛ و طريقتهم أن للشريعة مصالح مقصودة التحصيل من أجلها شرعت، فجعلوا هذه المصالح أصلا من أصول الأدلة إذ لم يجدوا نصا في الكتاب و السنة الصحيحة عندهم، و قد كانت قليلة العدد لبعد العراق عن موطن الحديث.
و أما أهل الحديث فلم يجعلوا للقياس و الرأي في استنباط الأحكام هذا المحل، و اتسعت شقة الخلاف و احتدم النزاع و افترق أهل الفتيا إلى فرقتين.
و أنت ترى أن هذا النزاع بعد أن كان علميا محضا أصبح مزيجا بالسياسة أو التعصب، و تعددت فيه عوامل التفرقة لتستند السلطة إلى أقوى الفريقين، و اتسع نطاق الخلاف فترى مالك بن أنس يحط من كرامة العراقيين و يتحامل عليهم و يعلن بقوله:
أنزلوهم منزلة أهل الكتاب، لا تصدقوهم و لا تكذبوهم و قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا و إليكم و إلهنا و إلهكم واحد [1].
و دخل عليه محمد بن الحسن الشيباني فسمعه يقول هذه المقالة ثم رفع رأسه فكأنه استحيا فقال: يا أبا عبد اللّه أكره أن تكون غيبة كذلك أدركت أصحابنا يقولون، و كان يقرأ إذا نظر إلى العراقيين (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) [2].