الثالث لهما فهذا هو مقابل التضادّ، و إذا كان أحدهما وجوديّا و الآخر عدميّا، فحينئذ إمّا أن يكون الوجود و العدم المحموليّين اللذين يعرضان للماهيّات الأوّليّة الّتي هي القابليّة الصرفة، واجبة كانت أم ممتنعة أم ممكنة، فهذا هو تقابل الإيجاب و السلب.
و إمّا أن يكون الوجود و العدم الربطيّين اللذين لا بدّ و أن يكون معروضهما الماهيّة الطاردة للعدم، إذ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، فهذا هو تقابل العدم و الملكة، فعلى مسلك المشهور في معنى المطلق- كما ينسب إليهم- من أنّه عبارة عن المفهوم المقيّد بالإطلاق، و يكون حينئذ لا بشرطا قسميّا يصير التقابل بينه و المقيّد التضادّ لانطباق ضابطه عليهما، كما هو واضح.
و أمّا على المختار الّذي هو التحقيق عند أساطين المتأخّرين من أنّه مفهوم مجرّد عن القيد مطلقا حتّى التقييد بالإطلاق، بل هو عبارة عن الطبيعة اللابشرط المقسمي، فيكون التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة.
ضرورة أنّه لا بدّ و أن تكون ماهيّة موجودة قابلة لطروّ الوصفين عليها، فتكون متّصفة بأحدهما، فالأمر ليس خارجا عن أحد الوجهين، إمّا أن يكون تقابل التضادّ و إمّا العدم و الملكة، و احتمال الإيجاب و السلب لا يجري أصلا، لما عرفت أنّ محلّهما هي الماهيّات الغير المعروضة لأحد الأمرين و بين موضوع هذا القسم من التقابل و العدم و الملكة تباين كلّي، إذ بعد طروّ الوجود على الماهيّة، فحينئذ يتصوّر اتّصافها بالإطلاق أو التقييد، و هذا هو الوجود و العدم الربطي، و الإيجاب و السلب إنّما يكون بين الوجود و العدم المحمولي و معروضهما الماهيّة من حيث هي الّتي غير قابلة للاتّصاف بالإطلاق أو التقييد