كلّ واحد من تلك الجهات و الدواعي مستعملا فيه لها، و مرادا منها، ضرورة استلزامه سبقه، و الحال أنّها شئون الاستعمال و التلفّظ و الإخبار و الإنشاء و هي جهات محدثة بالتلفّظ فكذلك المعنى الحرفيّ، فلم يوضع الحرف لمعنى، بل إنّما وضع لاعتبار خصوصيّة في الغير ملحوظة بالتبع فيه لكن لا على نحو الإرادة منه و لا من لفظ غيره.
و هذا معنى قول نجم الأئمّة: (فالحرف لا معنى لها) [1] أي لا يكون المعنى مرادا منه، لا أنّه لا يدلّ على شيء، كما استدرك و قال: (و إنما هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليفيد أنّ فيه فائدة) [2].
و كذلك قوله: (إنّه موجد لمعناه في لفظ غيره) [3]، بمعنى أنّ معناه جهة من جهات استعمال لفظ غيره يوجدها الحرف.
فالضابط الكليّ أنّه كلّ ما كان كاشفا عن جهات استعمال لفظ في معناه و دالّا على نحو من أنحائه و ناظرا إلى لفظ غيره، بحيث لو لم يكن الغير لم يكن له موقع؛ لقصوره في نفسه، فهو الحرف، إذا كان لفظا مستقلّا في التّلفظ.
و من هنا تعلم أنّ التكلّم و الخطاب و الغيبة، و الإشارة و الإخبار و الاستخبار، و الإنشاء و النفي و الإثبات، و غيرها ممّا كان أوصافا للألفاظ، و جهاتا لاستعمالها، و كاشفا عن مسمّياتها من المعاني الحرفيّة و إن لم يوضع لها أو لبعضها لفظ و حرف، ضرورة أنّ كون الشخص متكلّما أمر يحدث طبعا بالتكلّم باللفظ و إيجاده في الخارج، كما أنّ كونه مخاطبا أمر يحدث بتوجيه
[1] شرح الكافية: 1/ 10 و انظر أجود التقريرات: 1/ 22 و 23.
[2] شرح الكافية: 1/ 10 و انظر أجود التقريرات: 1/ 22 و 23.
[3] شرح الكافية: 1/ 10 و انظر أجود التقريرات: 1/ 22 و 23.