لقد سبق منّا في التمهيد التعرض إلى أهمية العقل في أمر الدين، ولزوم إعماله فيه بالوجه الذي يجري عليه العقلاء في سائر موارد البحث عن الحقيقة. وكما سبق في الأمر الثاني من المقدمة أن حجة الله سبحانه وتعالى تتم على المكلف بوصول الحقيقة له، وليس من حق المكلف حينئذٍ التحكم في طلب الحجج والأدلة.
ويجري ذلك في المقام، حيث لابد من النظر بموضوعية تامة لأدلة النبوة الخاتمة، حتى إذا تبين صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته لزم الاعتقاد بها والإذعان له، بعيداً عن اللجاجة والمراء والتحكم.
وفي حديث أبي يعقوب البغدادي عن محاورة ابن السكيت مع الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام) بعد أن أوضح الإمام (عليه السلام) مناسبة معاجز الأنبياء (صلوات الله عليهم) لأزمنتهم وظروف دعوتهم:
"فقال ابن السكيت: تالله ما رأيت مثلك قط. فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال (عليه السلام) : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه. قال: فقال ابن السكيت: هذا والله الجواب" [1].
إذا تقرر ذلك كله فشواهد صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعواه النبوة والرسالة عن الله تعالى كثيرة، نذكرها في ضمن فصول..