وهذه الأمور بمجموعها أوجبت انهيار سامعيه به وتضاؤلهم أمامه، وشعورهم بعلوِّه وارتفاعه عن مستوى كلام البشر.
بل إذا بقي القارئ له على سجيته، وتحللت عنه عقد العناد والتعصب، أو التشكيك والتردد، تفاعل معه وانتقل به إلى عالم آخر غير ما يعهده من كلام البشر، وتجلى له أنه كلام الله جلّ شأنه، وكأنه يسمعه منه، أو ينظر إليه في كتابه، كل ذلك لأنه لا يليق إلا به سبحانه، ولا يصدر إلا منه جلّ شأنه.
ولعله إلى ذلك يشير الحديث عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه) أنه قال: "لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكنهم لا يبصرون" [1].
قصة الوليد بن المغيرة مع القرآن المجيد
وقد رووا أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له: اقرأ عليّ. فقرأ عليه: ((إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإحسَانِ وَإيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَن الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ))[2]. فقال: أعد. فأعاد. فقال: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق. وما يقول هذا بشر" [3].
كما روي أن الوليد المذكور كان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختار، فسألوه عن
[1] بحار الأنوار 92: 107 باب: فضل التدبر في القرآن.