الْمَظَالِمِ تَأْثِيرًا فِي اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ ؛ وَلِكُلِّ حَالٍ مِنْهَا فِي الْإِرْهَابِ حَدٌّ لَا يَتَجَاوَزُهُ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْأَحْوَالِ بِمُقْتَضَى شَوَاهِدِهَا . ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا إنْ اقْتَرَنَ بِالدَّعْوَى مَا يُضْعِفُهَا ، فَلِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الضَّعْفِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ تُنَافِي أَحْوَالَ الْقُوَّةِ ، فَيَنْتَقِلُ الْإِرْهَابُ بِهَا مِنْ جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعِي .فَالْحَالَةُ الْأُولَى : أَنْ يُقَابِلَ الدَّعْوَى بِكِتَابٍ شُهُودُهُ حُضُورٌ مُعَدَّلُونَ يَشْهَدُونَ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الدَّعْوَى وَذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِبَيْعِ مَا ادَّعَاهُ .وَالثَّانِي : أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ .وَالثَّالِثُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِ أَبِيهِ الَّذِي ذَكَرَ انْتِقَالَ الْمِلْكِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ .وَالرَّابِعُ : أَنْ يَشْهَدُوا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فَبَطَلَ دَعْوَاهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيَقْتَضِي نَظَرُ تَأْدِيبِهِ بِحَسَبِ حَالِهِ ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالِابْتِيَاعِ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ رَهَبٍ وَإِلْجَاءٍ ، وَهَذَا قَدْ يَفْعَلُهُ النَّاسُ أَحْيَانًا فَيُنْظَرُ فِي كِتَابِ الِابْتِيَاعِ ، فَإِنْ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ رَهَبٍ وَلَا إلْجَاءٍ ضَعُفَتْ شُبْهَةُ هَذِهِ الدَّعْوَى ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِيهِ قَوِيَتْ شُبْهَةُ الدَّعْوَى ، وَكَانَ الْإِرْهَابُ فِي الْجِهَتَيْنِ بِمُقْتَضَى شَوَاهِدِ الْحَالَيْنِ وَرَجَعَ إلَى الْكَشْفِ بِالْمُجَاوِرِينَ وَالْخُلَطَاءِ ، فَإِنْ بَانَ مَا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ عَمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ كَانَ إمْضَاءُ الْحُكْمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُ الِابْتِيَاعِ أَحَقَّ فَإِنْ سَأَلَ إحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ ابْتِيَاعَهُ كَانَ حَقًّا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الرَّهَبِ وَالْإِلْجَاءِ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ إحْلَافِهِ لِاخْتِلَافِ مَا ادَّعَاهُ ؛ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى جَوَازِ إحْلَافِهِ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ وَإِمْكَانِهِ ، وَامْتَنَعَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْ إحْلَافِهِ ، لِأَنَّ مُتَقَدِّمَ إقْرَارِهِ مُكَذِّبٌ لِمُتَأَخِّرِ دَعْوَاهُ .وَلِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ الْقَوَانِينِ بِمَا تَقْتَضِيهِ شَوَاهِدُ الْحَالَيْنِ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَأَظْهَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كِتَابَ بَرَاءَةٍ مِنْهُ فَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ وَلَمْ يَقْبِضْ كَانَ إحْلَافُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ شُهُودُ الْكِتَابِ الْمُقَابِلِ لِلدَّعْوَى عُدُولًا غَائِبِينَ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَضَمَّنَ إنْكَارُهُ اعْتِرَافًا بِالسَّبَبِ كَقَوْلِهِ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الضَّيْعَةِ لِأَنَّنِي ابْتَعْتُهَا مِنْهُ وَدَفَعْتُ ثَمَنَهَا إلَيْهِ وَهَذَا كِتَابُ عَهْدِي بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي مُدَّعِيًا بِكِتَابٍ قَدْ غَابَ شُهُودُهُ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى وَلَهُ زِيَادَةُ يَدٍ وَتَصَرُّفٍ فَتَكُونُ الْأَمَارَةُ أَقْوَى وَشَاهِدُ الْحَالِ أَظْهَرَ ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْمِلْكُ فَيُرْهِبُهُمَا بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ شَوَاهِدُ أَحْوَالِهِمَا وَيَأْمُرُ بِإِحْضَارِ الشُّهُودِ إنْ أَمْكَنَ وَيَضْرِبُ لِحُضُورِهِمْ أَجَلًا يَرُدُّهُمَا فِيهِ