( فَصْلٌ ) وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ تَنْعَقِدُ بِمَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْوِلَايَاتُ مَعَ الْحُضُورِ بِاللَّفْظِ مُشَافَهَةً وَمَعَ الْغَيْبَةِ مُرَاسَلَةً وَمُكَاتَبَةً وَلَكِنْ لَا بُدَّ مَعَ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مِنْ شَوَاهِدِ الْحَالِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا عِنْدَ الْمَوْلَى وَأَهْلِ عَمَلِهِ .وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْوِلَايَةُ ضَرْبَانِ : صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ .فَالصَّرِيحُ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ : قَدْ قَلَّدْتُكَ وَوَلَّيْتُكَ وَاسْتَخْلَفْتُكَ وَاسْتَنَبْتُكَ ، فَإِذَا أَتَى بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ انْعَقَدَتْ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ وَلَيْسَ يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى قَرِينَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لَا شَرْطًا .فَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ : قَدْ اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ وَعَوَّلَتْ عَلَيْكَ وَرَدَدْتُ إلَيْكَ وَجَعَلْتُ إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ إلَيْكَ وَوَكَّلْتُ إلَيْكَ وَأَسْنَدْتُ إلَيْكَ ، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ تُضْعِفُ فِي الْوِلَايَةِ عَنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا فِي عَقْدِ الْوِلَايَةِ مَا يَنْفِي عَنْهَا الِاحْتِمَالَ فَتَصِيرُ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ مِثْلَ قَوْلِهِ فَانْظُرْ فِيمَا وَكَّلَتْهُ إلَيْكَ وَاحْكُمْ فِيمَا اعْتَمَدْتُ فِيهِ عَلَيْكَ فَتَصِيرُ الْوِلَايَةُ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِنَايَةِ مُنْعَقِدَةً ، ثُمَّ تَمَامُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى قَبُولِ الْمُوَلِّي ، فَإِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ مُشَافَهَةً فَقَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَفْظًا ، وَإِنْ كَانَ مُرَاسَلَةً أَوْ مُكَاتَبَةً جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَيَجُوزُ قَبُولُهُ بِالْقَوْلِ مَعَ التَّرَاخِي .وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْقَبُولِ بِالشُّرُوعِ فِي النَّظَرِ ؛ فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَجَعَلَهُ كَالنُّطْقِ وَأَبَاهُ آخَرُونَ حَتَّى يَكُونَ نُطُقًا لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّظَرِ فَرْعٌ لِعَقْدِ الْوِلَايَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ قَبُولُهَا .وَيَكُونُ تَمَامُ الْوِلَايَةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لَفْظِ التَّقْلِيدِ مُعْتَبَرًا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ : أَحَدُهَا : مَعْرِفَةُ الْمَوْلَى لِلْمَوْلَى بِأَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى مَعَهَا ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَجُوزُ مَعَهَا تِلْكَ الْوِلَايَةُ لَمْ يَصِحَّ تَقْلِيدُهُ ، فَلَوْ عَرَفَهَا بَعْدَ التَّقْلِيدَ اسْتَأْنَفَهَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَوِّلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَهَا .وَالشَّرْطُ الثَّانِي : مَعْرِفَةُ الْمُوَلَّى بِمَا عَلَيْهِ الْمُوَلِّي مِنْ اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْوِلَايَةِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُسْتَحِقًّا لَهَا وَأَنَّهُ قَدْ تَقَلَّدَهَا وَصَارَ مُسْتَحِقًّا لِلْإِنَابَةِ فِيهَا إلَّا أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ فِي قَبُولِ الْمُوَلَّى وَجَوَازِ نَظَرِهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي عَقْدِ تَقْلِيدِهِ وَوِلَايَتِهِ ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَيْسَ يُرَاعَى فِي هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ الْمُشَاهَدَةُ بِالنَّظَرِ .وَإِنَّمَا يُرَاعَى انْتِشَارُهَا بِتَتَابُعِ الْخَبَرِ .وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ : ذِكْرُ مَا تَضْمَنَّهُ التَّقْلِيدُ مِنْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ إمَارَةِ الْبِلَادِ أَوْ جِبَايَةِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ تَقْلِيدٍ فَافْتَقَرَتْ إلَى تَسْمِيَةِ مَا تَضَمَّنَتْ لِيُعْلَمَ عَلَى أَيِّ نَظَرٍ عُقِدَتْ فَإِنْ جُهِلَ فَسَدَتْ .وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ : ذِكْرُ تَقْلِيدِ الْبَلَدِ الَّذِي عُقِدَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِيُعْرَفَ بِهِ الْعَمَلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِيهِ ، وَلَا تَصِحُّ الْوِلَايَةُ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ ، فَإِذَا انْعَقَدَتْ تَمَّ تَقْلِيدُ الْوِلَايَةِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّرُوطِ وَاحْتَاجَ فِي لُزُومِ النَّظَرِ إلَى شَرْطٍ زَائِدٍ عَلَى شُرُوطِ الْعَقْدِ