مَا سِوَاهُ مِنْ الشَّوَارِعِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا ، وَجَعَلُوا عَرْضَ كُلِّ زُقَاقٍ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ ، وَجَعَلُوا وَسَطَ كُلِّ خُطَّةٍ رَحْبَةً فَسِيحَةً لِمَرَابِطِ خَيْلِهِمْ وَقُبُورِ مَوْتَاهُمْ وَتَلَاصَقُوا فِي الْمَنَازِلِ ، وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَأْيٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَنَصٍّ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ .وَقَدْ رَوَى بَشِيرُ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : * ( إذَا تَدَارَأَ الْقَوْمُ فِي طَرِيقٍ فَلْيَجْعَلْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ ) * . ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا الْمِيَاهُ الْمُسْتَخْرَجَةُ فَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ مِيَاهُ أَنْهَارٍ وَمِيَاهُ آبَارٍ وَمِيَاهُ عُيُونٍ فَأَمَّا الْأَنْهَارُ فَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا أَجْرَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ كِبَارِ الْأَنْهَارِ الَّتِي لَا يَحْتَفِرُهَا الْآدَمِيُّونَ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَيُسَمَّيَانِ الرَّافِدَيْنِ فَمَاؤُهُمَا يَتَّسِعُ لِلزَّرْعِ وَلِلشَّارِبَةِ ، وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ قُصُورٌ عَنْ كِفَايَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو فِيهِ إلَى تَنَازُعٍ أَوْ مُشَاحَنَةٍ ، فَيَجُوزُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا لِضَيْعَتِهِ شُرْبًا وَيَجْعَلَ مِنْ ضَيْعَتِهِ إلَيْهَا مَغِيضًا ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَخْذِ شُرْبٍ وَلَا يُعَارَضُ فِي إحْدَاثِ مَغِيضٍ .وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صِغَارِ الْأَنْهَارِ .وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلُوَ مَاؤُهَا ، وَإِنْ لَمْ يُحْبَسْ وَيَكْفِيَ جَمِيعَ أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ ، فَيَجُوزُ لِكُلِّ ذِي أَرْضٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شُرْبَ أَرْضِهِ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ وَلَا يُعَارِضُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ أَنْ يَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ نَهْرًا يُسَاقُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى أَوْ يَجْعَلُوا إلَيْهِ مَغِيضَ نَهْرٍ آخَرَ نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِأَهْلِ هَذَا النَّهْرِ مُنِعَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ لَمْ يُمْنَعْ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَسْتَقِلَّ مَاءُ هَذَا النَّهْرِ وَلَا يَعْلُوَ لِلشُّرْبِ إلَّا بِحَبْسِهِ فَلِلْأَوَّلِ مِنْ أَهْلِ النَّهْرِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِحَبْسِهِ لِيَسْقِيَ أَرْضَهُ حَتَّى تَكْتَفِيَ مِنْهُ وَتَرْتَوِيَ ثُمَّ يَحْبِسَهُ مَنْ يَلِيهِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ أَرْضًا آخِرَهُمْ حَبْسًا .رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : * ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ لِلْأَعْلَى أَنْ يَشْرَبَ قَبْلَ الْأَسْفَلِ ، ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ إلَى الْأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَرْضُونَ ) * .وَأَمَّا قَدْرُ مَا يَحْبِسُهُ مِنْ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ ، فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِيهِ : * ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي وَادِي مَهْزُورٍ أَنْ يَحْبِسَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ إلَى الْكَعْبَيْنِ ، فَإِذَا بَلَغَ إلَى الْكَعْبَيْنِ أَرْسَلَ إلَى الْأُخْرَى ) * .