النفس والتي على خلاف هواها سواسية في تعلق ثمراتها بها ، يلزم نسبة الظلم إليه ، تعالى الله عن ذلك ، فإنّ الطاعات الواجبة كلّها على خلاف هوى النفس ، ولذا قال عليه السلام : أفضل العبادات أحمزها ، بل الفعل خلاف الهوى عين الطاعة والمعاصي كلّها على وفاق هواها ، بل وفاق الهوى نفس المعصية ، وإذا كانت الطاعات متساوية النسبة في الواقع بجعلها مناطاً للثواب والعقاب ، وكذا المعاصي بجعلها مناطاً لها ، فتحريم المعاصي بكفّ النفس عن الشهوات في الدنيا وإيجاب الطاعات بقهر النفس فيها بلا ضرورة باعثة ظلم ، لأنّه حبس النفس عن الشهوات وإقحامها في القهر في الدنيا بلا فائدة ، ولو عكس الله الأمر لفاز العبد بالراحتين في الاُولى والآخرة » . وهكذا قال صاحب ( مسلّم الثبوت ) وشارحه ، وهما من أعاظم المحققين ، فقد جاء في ( فواتح الرحموت ) ما نصّه : « وعند أهل الحق ، أصحاب العناية الذين هم أهل السنّة ، الباذلون أنفسهم في سبيل الله بالجهاد الأكبر ، له قدرة كاسبة فقط لا خالقة ، لكن عند الأشعريّة من الشافعيّة ليس معنى ذلك الكسب إلاّ وجود قدرة متوهّمة يتخيّله الشخص قدرة مع الفعل بلا مدخليّة لها أصلاً في شيء ، فعندهم إذا أراد الله تعالى أن يخلق في العبد فعلاً ، يخلق أوّلاً صفة يتوهّم أوّل الأمر إنّها قدرة على شيء ، ثمّ يوجّه الله تعالى إلى الفعل ثمّ يوجد الفعل ، فنسبة الفعل إليه كنسبة الكتابة إلى القلم . قالوا : ذلك كاف في صحّة التكليف . والحقّ : أنّه كفؤ للجبر ، وهو ظاهر ، فإنّه متى لم يكن في العبد قدرة حقيقة ، فأيّ فرق بينه وبين الجماد » [1] .