وهناك عدة ظواهر في الشريعة تبرهن على موقفها السلبي من المخاطرة ، وعدم الاعتراف لها بدور إيجابي في تبرير الكسب . فالفائدة الربوية مثلاً قد اعتاد الكثير على تبريريها وتفسيرها بعنصر المخاطرة ، الذي يشتمل عليه القرض - كما سنتناول ذلك في الملاحظة الآتية - لأن إقراض الدائن لماله نوع من المغامرة التي قد تفقده ماله ، إذا عجز المدين في المستقبل عن الوفاء وتنكب له الحظ ، فلا يظفر الدائن بشيء . فكان من حقه أن يحصل على أجر ومكافأة له على مغامرته بماله لأجل المدين . وهذه المكافأة هي الفائدة . والإسلام لم يقر هذا اللون من التفكير ، ولم يجد في المخاطرة المزعومة مبرراً للفائدة التي يحصل عليها صاحب المال من المدين . ولهذا حرّمها تحريماً حاسماً [1] . وحرمة القمار وتحريم الكسب القائم على أساسه جانب آخر من جوانب الشرعية التي تبرهن على موقفها السلبي من عنصر المخاطرة [2] . لأن الكسب الناتج عن المقامرة لا يقوم على أساس عمل من أعمل الانتفاع والاستثمار ، وإنما يرتكز على أساس المخاطرة وحدها ، فالفائز يحصل على الرهان لأنه غامر بماله وأقدم على دفع الرهان لخصمه ، إذا خسر الصفقة . ويمكننا أن نضيف إلى إلغاء القمار ، والغاء الشركة في الأبدان أيضاً ، فقد نص كثير من الفقهاء على بطلانها ، كالمحقق الحلي في الشرائع وابن حزم في المحلى [3] . ويريدون بهذه الشركة أن يتفق اثنان أو أكثر على ممارسة كل واحد منهم عمله الخاص ، والاشتراك فيما يحصلون عليه من مكاسب ، كما إذا قرر طبيبان أن يمارس كل واحد منهما عمله في عيادته ، ويحصل في نهاية الشهر مثلاً على نصف مجموع الأجور التي كسبها الطبيبان معاً خلال ذلك الشهر . والغاء هذه الشركة يتفق مع الموقف السلبي العام للشريعة من عنصر المخاطرة ،
[1] لاحظ الوسائل ج 11 ، ص 252 ، الحديث 20629 . [2] لاحظ جواهر الكلام ج 22 ، ص 25 . [3] لاحظ شرائع الإسلام ج 2 ، ص 106 ، والمحلى ج 8 ، ص 122 .