أقركم فيها على ذلك ما شئنا ، فكانوا على ذلك ، وكان التمر يقسم على السهمان في نصف خيبر ، ويأخذ رسول الله الخمس ) ) [1] . ونقل أبو عبيد في كتاب الأنوال عن ابن عباس أنه قال : ( ( دفع رسول الله ( ص ) خيبر - أرضها ونخلها - إلى أهلها ، مقاسمة على النصف ) ) [2] . ونحن إذا جمعنا بين هاتين الظاهرتين من سيرة النبي ( ص ) : بين احتفاظه بجزء كبير من خيبر لمصالح المسلمين وشؤون الدولة ، وبين ممارسته بوصفه ولي الأمر لشؤون الجزء الآخر أيضاً ، الذي نفترض أنه قد قسمه بين المقاتلين . . إذا جمعنا بين ذلك كله ، نستطيع ان نضع للسيرة النبوية تفسيراً ينسجم مع النصوص التشريعية السابقة ، التي تقرر مبدأ الملكية العامة في الأرض المفتوحة ، فإن من الممكن أن يكون رسول الله ( ص ) قد طبق على أرض خيبر مبدأ الملكية العامة ، الذي يقتضي تملك الأمة لرقبة الأرض ، ويحتم لزوم استخدامها في مصالح الأمة وحاجاتها العامة . والحاجات العامة للأمة يومئذ كانت من نوعين : أحدهما تيسير نفقات الحكومة ، التي تنفقها خلال ممارستها لواجبها في المجتمع الإسلامي . والآخر : إيجاد التوازن الاجتماعي ورفع المستوى العام ، الذي كان متردياً إلى درجة قالت السيدة عائشة في وصفه : ( ( إنا لم نشبع من التمر حتى فتح الله خيبر ) ) [3] . فإن هذه الدرجة من التردي التي تقف حائلاً دون تقدم المجتمع الفتي ، وتحقيق مثله في الحياة ، يعتبر علاجها حاجة عامة للأمة . وقد حققت السيرة النبوية اشباع كلا النوعين من الحاجات العامة للأمة فالنوع الأول ضمن النبي إشباعه بالنصف الذي حدثتنا الراويات السابقة عن تخصيصه للنوائب والوفود ونحو ذلك . والنوع الثاني من الحاجات عولج عن طريق تخصيص ريع النصف الآخر من أرض خيبر لمجموعة كبيرة من المسلمين ، ليساعد ذلك على
[1] المصدر السابق . [2] الأموال ص 82 ، الحديث 191 . [3] لاحظ صحيح البخاري ج 16 ، ص 114 ، الحديث 3960 .