فمثلاً يمكن للباحث الإسلامي القول : بأن مصالح التجارة متفقة في المجتمع الإسلامي مع مصالح الماليين وأصحاب المصارف ، لأن المصرف في المجتمع الإسلام يقوم على أساس المضاربة لا على أساس الربا ، فهو يتجر بأموال زبائنه ويوزع الأرباح بينه وبينهم بنسبة مئوية معينة من الربح ، وفي النهاية يتوقف مصيره المالي على مدى الربح التجاري الذي يجنيه . لا على الفائدة التي يقتطعها من الديون . فهذه الظاهرة - ظاهرة الاتفاق بين مصالح المصارف ومصالح التجارة - هي بطبيعتها ظاهرة موضوعية ، ينطلق الباحث إلى استنتاجها من نقطة هي : إلغاء النظام الربوي للمصارف في المجتمع الإسلامي . ويمكن للباحث أيضاً بالانطلاق من نقطة كهذه أن يقرر ظاهرة موضوعية أخرى وهي : تجاه المجتمع الإسلامي من عامل رئيسي للأزمات التي تمنى بها الحياة الاقتصادية في المجتمع الرأسمالي ، فإن دورات الإنتاج والاستهلاك في مجتمع قائم على أساس الربا ، يعرقلها هذا الجزء الكبير من الثروة الأهلية الذي يدخر طمعاً بالفائدة الربوية ، ويسحب بذلك من مجالات الإنتاج والاستهلاك ، الأمر الذي يؤدي إلى كساد قسم كبير من الإنتاج الاجتماعي ، للبضائع الرأسمالية والبضائع الاستهلاكية . فحين يقوم المجتمع على أساس الاقتصاد الإسلامي ، ويحرم فيه الربا تحريماً تاماً ، كما يمنعه عن الاكتناز بالنهي عنه ، أو يفرض ضريبة عليه ، فسوف ينتج عن ذلك إقبال الناس جميعاً على إنفاق ثرواتهم . ففي هذه التفسيرات نفترض واقعاً اجتماعياً قائماً على أسس معنية ، ونأخذ بتفسير هذا الواقع المفترض واستكشاف خصائصه العامة ، في ضوء تلك الأسس . ولكن هذه التفسيرات لا تكوّن لنا بدقة المفهوم العلمي الشامل ، للحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي ، ما لم تجمع مواد الدراسة العلمية من تجارب الواقع المحسوس . فكثيراً ما تقع مفارقات بين الحياة الواقعية للنظام ، وبين التفسيرات التي تقدم لهذه الحياة على أساس الافتراض ، كما اتفق للاقتصاديين الرأسماليين الذين