الدوافع الذاتية لا تستطيع أن تضمن مصالح المجتمع وسعادته ، لأنها تنبع من المصالح الخاصة التي تختلف في أكثر الأحايين مع المصالح الاجتماعية العامة ؟ إن هذا ليست مشكلة وإنما هي حقيقة المجتمعات البشرية منذ فجر التاريخ ، فقد كان كل شيء يسير طبقاً للدافع الذاتي الذي ينعكس في المجتمع بشكل طبقي ، فيثور الصراع بين الدوافع الذاتية للطبقات المختلفة ، والغلبة دائماً تكون من حظ الدافع الذاتي للطبقة التي تسيطر على وسائل الإنتاج ، وهكذا يتحكم الدافع الذاتي بشكل محتوم ، حتى تضع قوانين التاريخ حلها الجذري للمشكلة بإنشاء المجتمع اللا طبقي ، تزول فيه الدوافع الذاتية ، وتنشأ بدلاً عنها الدوافع الجماعية ، وفقاً للملكية الجماعية . وقد عرفنا في دراستنا للمادية التاريخية ، أن أمثال هذه النبوءات التي تتنبأ بها المادية التاريخية لا تقوم على أساس علمي ، ولا يمكن انتظار حل حاسم للمشكلة من ورائها . وهكذا تبقى المشكلة كما هي مشكلة مجتمع يتحكم فيه الدافع الذاتي ، وما دامت الكلمة العليا للدافع الذاتي تمليه على كل فرد مصلحته الخاصة ، فسوف تكون السيطرة للمصلحة التي تملك قوة التنفيذ فمن يكفل لمصلحة المجتمع في زحمة الأنانيات المتناقضة أن يصاغ قانونه وفقاً للمصالح الاجتماعية للانسانية . ما دام هذا القانون تعبيراً عن القوة السائدة في المجتمع ؟ ! ولا يمكننا أن ننتظر من جهاز اجتماعي كالجهاز الحكومي أن يحل المشكلة بالقوة ويوقف الدوافع الذاتية عند حدها ، لأن هذا الجهاز منبثق عن المجتمع نفسه ، فالمشكلة فيه هي المشكلة في المجتمع بأسره ، لأن الدافع الذاتي هو الذي يتحكم فيه . ونخلص من ذلك كله إلى أن الدافع الذاتي هو مثار المشكلة الاجتماعية ، وأن هذا الدافع أصيل في الانسان لأنه ينبع من حبة لذاته . فهل كتب على الانسانية أن تعيش دائماً في هذا المشكلة الاجتماعية النابعة من دوافعها الذاتية ، وفطرتها وأن تشقى بهذه الفطرة ؟ !