وقد كان لهذا التحديد الذاتي نتائجه الرائعة ، وآثاره الكبيرة في تكوين طبيعة المجتمع الإسلامي ومزاجه العام ، وبالرغم من أن التجربة الإسلامية الكاملة كانت قصيرة الأمد ، فقد آتت ثمارها ، وفجّرت في النفس البشرية امكاناتها المثالية العالية ، ومنحتها رصيداً روحياً زاخراً بمشاعر العدل والخير والاحسان ولو قدر لتلك التجربة أن تستمر وتمتد في عمر الانسانية ، أكثر مما امتدت في شوطها التاريخي القصير ، لإستطاعت أن تبرهن على كفاءة الإنسانية لخلافة الأرض ، ولصنعت عالماً جديداً زاخراً بمشاعر العدل والرحمة ، واجتثت من النفس البشرية أكثر ما يمكن استئصاله من عناصر الشر ، ودوافع الظلم والفاسد . وناهيك من نتائج التحديد الذاتي ، أنه ظل وحده هو الضامن الأساسي لأعمال البر والخير في مجتمع المسلمين ، منذ خسر الإسلام تجربته للحياة . وفقد قيادته السياسية وإمامته الاجتماعية ، وبالرغم من ابتعاد المسلمين عن روح تلك التجربة والقيادة بعداً زمنياً امتد قروناً عديدة ، وبعداً روحياً يقدر بانخفاض مستوياتهم الفكرية والنفسية ، واعتيادهم على ألوان أخرى للحياة الاجتماعية والسياسية . . بالرغم من ذلك كله فقد كان للتحديد الذاتي ، الذي وضع الإسلام نواته في تجربته الكاملة للحياة ، دوره الإيجابي الفعال ، في ضمان أعمال البر والخير ، التي تتمثل في إقدام الملايين من المسلمين بملء حريتهم ، المتبلورة في إطار ذلك التحديد ، على دفع الزكاة وغيرها من حقوق الله ، والمساهمة في تحقيق مفاهيم الإسلام عن العدل الاجتماعي ، فماذا تقدر من نتائج في ضوء هذا الواقع ، لو كان هؤلاء المسلمون يعيشون التجربة الإسلامية الكاملة ، وكان مجتمعهم تجسيداً كاملاً للإسلام ، في أفكاره وقيمه وسياسته ، وتعبيراً عملياً عن مفاهيمه ومثله . وأما التحديد الموضوعي للحرية ، فنعني به : التحديد الذي يفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي من خارج ، بقوة الشرع . ويقوم هذا التحديد الموضوعي للحرية في الإسلام ، على المبدأ القائل : إنه لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة