نام کتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم نویسنده : التهانوي، محمد علي جلد : 0 صفحه : 20
و قد عثرنا على شيء من هذا التوجه في التراث العربي و الاسلامي، مع
اختلاف الأغراض و الوضوح في المسألة و الفضاء المعرفي.
و تمثل هذا التوجه بانتصار أهل البيان لمنطق اللغة على منطق المعنى
أي توخّي أوجه النحو و أحكامه و فروقه و وجوهه و العمل بقوانينه و أصوله [1]. فاعتبر السكاكي في مفتاح العلوم [2]: «أنّ من أتقن أصلا واحدا من علم
البيان، ... و وقف على كيفية مساقه لتحصيل المطلوب، أطلعه ذلك على كيفية نظم
الدليل».
و خير شاهد و مثال على هذه المسألة المحاورة التي تمت في مجلس الوزير
ابن الفرات في بغداد عام 366 ه بين السيرافي و أبي بشر متى بن يونس. إذ قال
السيرافي لمتى: «ما تقول في قول القائل: زيد أفضل الأخوة؟ قال متى: صحيح. قال
السيرافي: فما تقول إن قال: زيد أفضل أخوته؟ قال متى: صحيح ... فقال السيرافي:
أفتيت على غير بصيرة و لا استبانة. المسألة الأولى جوابك عنها صحيح
«و المسألة الثانية جوابك عنها غير صحيح ... إن إخوة زيد هم غير زيد، و زيد خارج
عن جملتهم. و الدليل على ذلك أنّه لو سأل سائل فقال: من إخوة زيد؟ لم يجز أن تقول:
زيد و عمرو و بكر و خالد، و إنما تقول عمرو و بكر و خالد، و لا يدخل زيد في
جملتهم. فإذا كان زيد خارجا عن اخوته صار غيرهم، فلم يجز أن تقول: أفضل اخوته، كما
لم يجز أن تقول: إنّ حمارك أفضل البغال، لأنّ الحمير غير البغال، كما أن زيدا غير
اخوته. فإذا قلت: زيد خير الأخوة، جاز، لأنّه أحد الأخوة، و الاسم يقع عليه و على
غيره فهو بعض الأخوة ...» [3].
إن متّى انتصر لأرسطو في جعله الأخوة جوهرا له ماهيته، أي هو معنى
قبلي متصوّر في الذهن. بينما نظر السيرافي من خلال سياق ترتيب الألفاظ و الحروف،
فهاء الضمير المتّصل في الأخوة تحدّد المعنى و ليس للمعنى أسبقية و قبلية. لهذا
اختلفت الجملتين فاختلف المعنيان.
و رب سائل يقول: ما علاقة كل هذا من المصطلح كلفظ و تصور، كاسم و
معنى؟
[1] الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الاعجاز، تحقيق بن تاويت، تطوان
المغرب، د. ت.، ص. 27 و 139.