وَأَمَّا الْقُوَّةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ قُوَى النَّفْسِ الْمُدْرِكَةِ فَهِىَ الإنْسَانِيَّةُ النَّاطِقَةُ. وَلَمَّا سَقَطَ نَظَرُ الأَطِبَّاءِ عَنِ الْقُوَّةِ الْوَهْمِيَّةِ لِمَا شَرَحْنَاهُ مِنَ الْعِلَّةِ، فَهُوَ أَسْقَطُ عَنْ هَذِهِ الْقُوَّةِ بَلْ نَظَرُهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى أَفْعَالِ الْقُوَى الثَّلاثِ لَا غَيْرُ.
الْفَصْلُ السَّادِسُ فِى الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ
وَأمَّا الْقُوَى [1] الْمُحَرِّكَةُ فَهِىَ الَّتِى تُشَنِّجُ الأوْتَارَ وَتُرْخِيهَا فَتَحَرَّكَ بِهَا الأَعْضَاءُ وَالْمَفَاصِلُ تَبْسُطُهَا وَتَثْنِيهَا وَمَنْفَذُهَا [2] فِى الْعَصَبِ الْمُتَّصِلِ بِالْعَضَلِ، وَ هِىَ جِنْسٌ يَتَنَوَّعُ بِحَسَبِ تَنَوُّعِ مَبَادِى الْحَرَكَاتِ، فَتَكُونُ فِى كُلِّ عَضَلَةٍ طَبِيعَةٌ أُخْرَى، وَهِىَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ الْوَهْمِ الْمُوجِبِ لِلإِجْمَاعِ.
الْفَصْلُ الأَخِيرُ فِى الأَفْعَالِ
نَقُولُ: إنَّ مِنَ الأَفَاعِيلِ الْمُفْرَدَةِ مَا يَتِمُّ بِقُوَّةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلُ الْهَضْمِ، وَ مِنْهَا مَا
يَتِمُّ بِقُوَّتَيْنِ مِثْلُ شَهْوَةِ الطَّعَامِ، فَإنَّهَا تَتِمُّ بِقُوَّةٍ جَاذِبَةٍ طَبِيعِيَّةٍ، وَ بِقُوَّةٍ حَسَّاسَةٍ فِى فَمِ الْمَعِدَةِ.
أمَّا الْجَاذِبَةُ فَبِتَحْرِيكِهَا اللِّيفَ الْمُطَاوِلَ مُتَقَاضِيَةٌ مَا يَجْذِبُهُ وَ امْتِصَاصِهَا مَا يَحْضُرُ مِنَ الرُّطُوبَاتِ وَأمَّا الْحَسَّاسَةُ فَبِإحْسَاسِهَا بِهَذَا الانْفِعَالِ وَ بِلَذْعِ السَّوْدَاءِ الْمُنَبِّهَةِ لِلشَّهْوَةِ الْمَذْكُورَةِ قِصَّتُهَا. وَ إنَّمَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مِمَّا يَتِمُّ بِقُوَّتَيْنِ، لأنَّ الْحَسَّاسَةَ إذَا عَرَضَ لَهَا آفَةٌ بَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِى يُسَمَّى جُوعاً وَ شَهْوَةً، فَلَمْ يَشْتَهِ الطَّعَامَ. وَ إنْ كَانَ لِلْبَدَنِ إلَيْهِ حَاجَةٌ، وَكَذَلِكَ الازْدِرَادُ يَتِمُّ بِقُوَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا
[1] ط، آ، ج: القوى. ب: القوة.
[2] ط: منفذها. ب: تنفذها.