أَعْضَاءُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وِالأحْشَاءُ البَاطِنَةُ، وَأمَّا سَائِرُ الأَعْضَاءِ فَإنَّمَا تَسْتَفِيدُهُمَا مِنْ أَعْصَابِ النُّخَاعِ وَقَدْ دَلَّ «جَالِينُوسُ» عَلَى عِنَايَةٍ عَظِيمَةٍ تَخْتَصُّ بِمَا يَنْزِلُ مِنَ الدِّمَاغِ إلَى الأحْشَاءِ مِنَ الْعَصَبِ، فَإنَّ الصَّانِعَ جَلَّ ذِكْرُهُ احْتَاطَ فِى وِقَايَتِهَا احْتِيَاطاً لَمْ يُوجِبْهُ فِى سَائِر الْعَصَبِ، وَذَلِكَ لأنَّهَا لَمَّا بَعُدَتْ مِنَ المَبْدَإِ وَجَبَ أنْ تُرْفَدَ بِفَضْلِ تَوْثِيقٍ، فَغَشَّاهَا بِجِرْمٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَ الْعَصَبِ وَالْغُضْرُوفِ فِى قِوَامِهِ مُشَاكِلٍ لِمَا يَحْدُثُ فِى جِرْمِ الْعَصَبِ عِنْدَ الالْتِوَاءِ، وَ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعَ ثَلاثَةٍ: أَحَدُهَا عِنْدَ الْحَنْجَرَةِ، وَالثَّانِى إذَا صَارَ إلَى أُصُولِ الأَضْلاعِ، وَالثَّالِثُ إذَا جَاوَزَ مَوْضِعَ الصَّدْرِ وَالأعْصَابِ الدِّمَاغِيَّةِ الأُخْرَى، فَمَا كَانَ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ إِفَادَةَ الْحِسِّ أَنْفَذَ مِنْ مُنْبَعَثِهِ [1] عَلَى الاسْتِقَامَةِ إلَى الْعُضْوِ الْمَقْصُودِ، إذْ [2] كَانَتِ الاسْتِقَامَةُ مُؤَدِّيَةً إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ، وَهُنَاكَ [3] يَكُونُ التَّأْثِيرُ الْفَائِضُ مِنَ الْمَبْدَإِ أَقْوَى، وَ إذَا [4] كَانَتِ الأَعْصَابُ الْحِسِّيَّةُ لا يُرَادُ فِيهَا مِنَ التَّصْلِيبِ الْمُحْوِجِ إلَى التَّبْعِيدِ عَنْ جَوْهَرِ الدِّمَاغِ بِالتَّعْرِيجِ لِيَبْعُدَ عَنْ مُشَابَهَتِهِ فِى اللِّينِ بِالتَّدْرِيجِ [5] مَا يُرَادُ فِى أَعْصَابِ الْحَرَكَةِ، بَلْ كُلَّمَا كَانَتْ أَلْيَنَ كَانَتْ لِقُوَّةِ الْحِسِّ أَشَدَّ تَأْدِيَةً.
وَأمَّا الْحَرَكِيَّةُ فَقَدْ وُجِّهَتْ إلَى الْمَقْصِدِ [6] بَعْدَ تَعَارِيجٍ تَسْلُكُهَا لِتَبْعُدَ عَنِ الْمَبْدَإِ وَ تَنْدَرِجَ فِى التَّصْلِيبِ. وَ قَدْ أَعَانَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصِّنْفَيْنِ [7] عَلَى الْوَاجِبِ مِنْهُ [8] مِنَ التَّصْلِيبِ وَ التَّلْيِينِ جَوْهَرُ مَنْبِتِهِ إذْ كَانَ جُلُّ مَا يُفِيدُ الْحِسَّ مُنْبَعِثاً مِنْ مُقَدَّمِ
[1] ط، آ، ج: منبعثه. ب: مبعثه.
[2] ط، ج: اذا. ب آ: اذ.
[3] ب، آ، ج: هناك. ط: هنالك.
[4] ط، آ، ج: وإذا. ب: إذ.
[5] ب، آ، ج: بالتدريج. ط: فى التدريج.
[6] ب، ج: المقصد. ط، آ: المقصود.
[7] ط، ب، ج: الصنفين. آ: العصبتين.
[8] ط، ج: فيه. ب: منه.