هَذِهِ الأخْلاطُ الأَرْبَعَةُ إذَا احْتَرَقَتْ فِى الرِّدَاءَةِ. فَالسَّوْدَاءُ أَشَدُّهَا [1] وَأَشَدُّهَا غَائِلَةً. وَأَسْرَعُهَا فَسَاداً هُوَ الصَّفْرَاوِيَّةُ لَكِنَّهَا أَقْبَلُهَا لِلْعِلاجِ. وَأمَّا الْقِسْمَانِ الآخَرَانِ فَإنَّ الَّذِى هُوَ أَشَدُّ حُمُوضَةً أَرْدَأُ، وَ لَكِنَّهُ إذَا تُدُورِكَ فِى ابْتِدَائِهِ كَانَ أَقْبَلَ لِلْعِلَاجِ، وَ أمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ أَقَلُّ غَلَيَاناً عَلَى الأَرْضِ وَ تَشَبُّثاً بِالأعْضَاءِ وَ أَبْطَأُ مُدَّةً فِى انْتِهَائِهِ إلَى الإِهْلاكِ، وَ لَكِنَّهُ أَعْصَى فِى التَّحَلُّلِ وَ النُّضْجِ وَ قَبُولِ الدَّوَاءِ. فَهَذِهِ هِىَ أَصْنَافُ الأخْلاطِ الطَّبِيعِيَّةِ وَ الْفَضْلِيَّةِ.

قَالَ «جَالِينُوسُ»، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ زَعَمَ أنَّ الْخِلْطَ الطَّبِيعِىَّ هُوَ الدَّمُ لا غَيْرُ وَسَائِرُ الأخْلاطِ فُضُولٌ لا يُحْتَاجُ إلَيْهَا الْبَتَّةَ، وَذَلِكَ لأنَّ الدَّمَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ هُوَ الْخِلْطَ الَّذِى يَغْذُو الأَعْضَاءَ لَتَشَابَهَتْ فِى الأمْزِجَةِ وَالْقِوَامِ، وَ لَمَا كَانَ الْعَظْمُ أَصْلَبَ مِنَ اللَّحْمِ إلّا وَدَمُهُ دَمٌ مَازَجَهُ جَوْهَرٌ صُلْبٌ سَوْدَاوِىٌّ، وَلَمَا كَانَ الدِّمَاغُ أَلْيَنَ مِنْهُ إلّا وَ إنَّ دَمَهُ دَمٌ مَازَجَهُ جَوْهَرٌ لَيِّنٌ بَلْغَمِىٌّ، وَ الدَّمُ نَفْسُهُ تَجِدُهُ مُخَالِطاً لِسَائِرِ الأخْلاطِ فَيَنْفَصِلُ عَنْهَا عِنْدَ إخْرَاجِهِ وَتَقْرِيرِهِ فِى الإِنَاءِ بَيْنَ يَدَىِ الْحِسِّ إلَى جُزْءٍ كَالرَّغْوَةِ [2] هُوَ الصَّفْرَاءُ، وَجُزْءٍ كَبَيَاضِ الْبَيْضِ هُوَ الْبَلْغَمُ، وَجُزْءٍ كَالثُّفْلِ وَ الْعَكَرِ هُوَ السَّوْدَاءُ [3]، وَجُزْءٍ مَائِىٍّ هُوَ الْمَائِيَّةُ الَّتِى يَنْدَفِعُ فَضْلُهَا فِى الْبَوْلِ، وَالْمَائِيَّةُ لَيْسَتْ مِنَ الأخْلاطِ، لأنَّ الْمَائِيَّةَ هِىَ مِنَ الْمَشْرُوبِ الَّذِى لا يَغْذُو وَإنَّمَا الْحَاجَةُ إلَيْهَا لِتُرَقِّقَ الْغِذَاءَ وَتُنْفِذَهُ وَأمَّا الْخِلْطُ فَهُوَ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْغَاذِى وَمَعْنَى قَوْلِنَا غَاذٍ، أَىْ هُوَ بِالْقُوَّةِ شَبِيهٌ بِالْبَدَنِ وَالَّذِى هُوَ بِالْقُوَّةِ شَبِيهُ بَدَنِ‌ [4] الإنْسَانِ هُوَ جِسْمٌ مُمْتَزَجٌ لا بَسِيطٌ، وَالْمَاءُ هُوَ بَسِيطٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أنَّ قُوَّةَ الْبَدَنِ‌

[1] ط، آ، ج:- و تترتّب هذه الأخلاط الأربعة إذا احترقت فى الرداءة فالسودا، أشدها.

[2] ط، آ:+ و.

[3] ط، آ: و جزء كالثفل و العكر و هو السوداء و جزء كبياض البَيْض و هو البلغم.

[4] ط، ج: ببدن. ب: بدن.