تصدير

لم أكن أتوقع مطلقا أن أتولى أمر هذا التصدير، لأنه كان وقفا على صاحب الحق فيه و أولى الناس به. و هو الطبيب الكبير و المؤرخ الحجة الدكتور بول غليونجى الذى وقف نفسه على ابن النفيس زمنا طويلا، و عرف له منزلته بين كبار أطباء الإسلام، و وضعه فى صعيد واحد إلى جانب أبى بكر الرازى و ابن سينا. و برهن منذ زمن على أنه هو المكتشف الحقيقى للدورة الدموية الصغرى قبل هارقى بأربعة قرون. و تعاون مع زميله و صديقه الدكتور سلمان قطايه على إخراج كتاب «شرح تشريح القانون».

تولى سليمان قطاية التحقيق و اضطلع بول غليونجى بالمراجعة، و أتما عملهما على أكمل وجه ممكن.

و منذ بضعة أشهر اتصل بى الدكتور غليونجى راجيا أن ينشر هذا النص فى القاهرة، فرحبت بذلك كل الترحيب. تقديرا الجهود المحقق و المراجع معا و وفاءا للمؤلف الذى يعد بين أوائل الأطباء المصريين. و قدرت للأستاذ المحقق موافقته على أن يظهر هذا الكتب فى مصر قبل أن ينشر فى بلد عربى آخر. و أدركت أن المكتبة العربية فى حاجة ماسة إلى إحياء هذا التراث الذى قام على أمره طبيبان و مؤرخان عرفا لعمقهما و دقة بحثهما. و أرادا به أن يكون إحياء للذكرى المئوية الثامنة لا بن النفيس، و ما كان أجدر مصر أن تسهم فى هذه الذكرى.

و ما أن عرضت الفكرة على قسم المكتبة العربية بالمجلس الأعلى للثقافة و على الهيئة العامة للكتاب حتى قبلاها قبولا حسنا و رحبا بها ترحيبا كبيرا، و قدم المخطوط على أعمال أخرى. و بدأت المطبعة تجمع الحروف و تعد التجارب، و بول غليونجى على بينه من ذلك، ثم فوجئنا بنوبة قلبية أصابته فألزمته المستشفى أياما لم يلبث أن عجّل بعدها بالرحيل. جزاء اللّه جير الجزاء عما قدم لأمته و وطنه و لتاريخ الطب و عالم المعرفة.

و هنا أدع الكلام لغيلونجى نفسه فى مذكرة سبق أن بعث بها إلى قائلا: «أهمية هذا الكتاب عائدة إلى أنه يحتوى على معلومات جديدة و هامة قد تحدث ضجة فى عالم مؤرخى الطب قد لا تقل عن الضجة التى حدثت حينما كشف محيى الدين التطاوى عن الجزء المتعلق منها بتشريح القلب و وصف الدورة الدموية الصغرى، و هذه الضجة، التى لا تزال فى الاوساط المعنية، قد أحدثت شبه صراع بين الذين يرون أن هار فى العالم الانجليزى الذى كشف عن الدورة الدموية أربعة قرون بعد ابن النفيس كان له دراية بمؤلف العالم العربى و بين المستشرقين المتعصبين الذين رفضوا هذا الرأى.