قال الشيخ الرئيس رحمة اللّه عليه و الفم عضو ضرورى ... إلى قوله:
يتوزع منهما العروق الكثير يسميان الصردين
الشرح: كل حيوان يتنفس بالاستنشاق للهواء فإنه إنما يتنفس من أنفه
فقط إلا الإنسان فإنه يتنفس من انفه و من [2] فمه. و سبب ذلك أن الإنسان يحتاج كما بيناه أولا إلى الكلام و هو [3] إنما يتم بتقطيع حروف يحتاج فيها إلى
خروج هواء بعضه من الأنف و بعضه من الفم و إنما يتم ذلك إذا كان دخول الهواء هو
أيضا من هذين العضوين فلذلك يمكن للانسان من التنفس و هو مطبوق الفم.
و يتمكن أيضا من الكلام، و هو مطبوق الأنف. و لا كذلك غيره من
الحيوانات المتنفسة و قد فتح بيطار فم فرس بآلة سدت منخريه فمات فى الوقت. و قد
بينا فيما سلف السبب فى أن الحيوان يكتفى بفم واحد يدخل فيه الغذاء و لا كذلك
النبات (/ «فإنه يحتاج إلى افواة كثيرة جدا، و هى اطراف اصوله لأنه يأخذ الغذاء
بالإرادة و ينقله إلى فمه فلذلك يكتفى بواحد و لا كذلك النبات فإنه يأخذ الغذاء
بالطبع و بالجذب الطبيعى»/) فيحتاج إلى افواه كثيرة حتى إذا تعذر الجذب ببعضها
لأجل عوز المادة و نحو ذلك يمكن من ذلك الجذب بالباقى و ما كان من الحيوان أن [4] يمضغ المأكول قبل بلعه، فإنه لا يحتاج
إلى سعة كبيرة فى فمه و فى مجرى الغذاء منه إلى داخله و لا كذلك ما يبلع المأكول
بدون تصغيره و الإنسان [5]
وحده غير محتاج إلى قوة حركة فكه للعض و نحوه، بخلاف باقى الحيوان فإن منها ما
يحتاج إلى ذلك ليكون فمه كالسلاح له [6] و منها ما يحتاج إلى ذلك ليكون قبضه على الصيد و نحوه قويا [7] و منها ما يحتاج إلى ذلك لأجل حاجته
إلى تكسير مأكوله بفمه و نحو ذلك و أما الإنسان فإنه لما كان يتخذ الغذاء بالصناعة
ليستغنى عن ذلك كله، فلذلك فكه المتحرك أخف و اضعف حركة من غيره. و جميع الحيوان
يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.
و قد بينا السبب فى ذلك كله [8] عند كلامنا فى تشريح العظام، و جميع آلات الحواس، فإن كل آلة منها
تزيد على واحدة و كذلك اللسان أيضا و لكن اللسان اختص بان فرديه ملتصق احدهما
بالآخر