نام کتاب : شرح تشريح القانون نویسنده : ابن نفيس جلد : 1 صفحه : 320
قوله: و قد خلق ذا غشاءين كالشريانات. يريد ذا طبقتين و إنما خلق
كذلك ليكون جرمه مستحصفا ضيق المسام جدا فلا يرشح منه من
[1] الدم إلا ما لطف جدا، و هذا الذى يرشح منه يصادف هواء كثيرا مبثوثا
فى تجاويف الرئة فيختلط به و بذلك يصلح لأن يصير فى القلب روحا و باقى الدم الذى
لا يرشح من تلك [2] المسام ينفذ من فوهات أجزاء هذا
العرق [3] فتغتذى به الرئة فلذلك غذاء الرئة
إنما هو ما تبقى من أجزاء هذا العرق بعد ترشيح لطيفه إلى تجاويف الرئة.
قوله: أن يكون ما يرشح منه دما كثيرا فى غاية الرقة مشاكلا لجوهر
الرئة هذا الكلام لا يصح فإن جوهر الرئة ليس بغاية الرقة و إنما الفائدة فيه ما
ذكرناه و إنما كان غذاء الرئة يأتى إليها من القلب مع العرق العظيم الحاوى للدم
الغاذى للأعضاء العلوية كما سنذكره بعد تصعيد إلى
[4] خلف الرئة، و قريبا منها جدا ( [و من القلب مع أن العرق قريب منها
جدا]) فيكون أخذها الغذاء منه أسهل.
السبب فى ذلك أن الرئة عضو من شأنه تهيئة المادة لأن تستحيل فى القلب
روحا و إنما يمكن ذلك إذا كانت المادة يغلب عليها الجوهر الهوائى حتى تكون مناسبة
لجوهر الروح و لا يمكن أن يكون هواء صرفا. فإن الأجسام البسيطة قد بينا أنها لا
تصلح للتغذية فلذلك إنما يصير هذا الهواء صالحا لتغذية الروح إذا خالطته [5] أجزاء دموية حتى يصير بسبب ذلك ممتزجا
مع الهواء و تلك الأجزاء و إنما يمكن تلك الأجزاء، أن تعد
[6] الهواء لتغذية الروح إذا كانت شديدة اللطافة حارة و إنما يمكن ذلك
إذا كانت قد تسخنت فى القلب و لطفت جدا، فلذلك لا بد من أن تكون الأجزاء الدموية
التى تخالط الهواء الذى [7]
فى الرئة و يصير من جملة ذلك ما يصلح لغذاء الروح متسخنة
[8] فى القلب و إنما يمكن نفوذها إلى الرئة بأن تكون الرئة جاذبة لها و
لكل عضو يجذب خلطا فإنه إنما يجذبه ليغتذى به
[9] و إنما يمكن ذلك إذا كان غذاء الرئة يأتى إليها من القلب فإنه لو
وصل إليها من القلب [10]
العرق العظيم الذى هو وراءها لاستغنت تلك [11] عن جذب الدم من القلب. و لو كانت كذلك لم ينفذ الدم اللطيف من القلب
إليها فلذلك احتيج أن يكون غذاء الرئة يأتى إليها من القلب لا كما قاله جالينوس. و
هو أن ذلك [12] لأن دم العرق العظيم الذى وراءها لا
يصلح لتغذيتها لأنه لا يغلب عليه الصفراء، و غذاء الرئة عنده يجب أن تكون الصفراء
غالبة عليه.
و نحن قد بينا سهوه فى ذلك و بينا أن الصفراء لا تصلح لتغذية عضو
البتة لا [13] بانفرادها، و لا بأن تكون غالبة على
الدم بل إن كان الصفراء تغذيه كما تغذو الأبازير الحارة إذا وضعت فى الأطعمة.