قد بيّنا فيما سلف أقصى ما تبلغه القوة العملية فى إدراكها، و
سياستها للبدن و العالم، و رتبنا درجات النبوات بالقياس إليها. و الآن فإنا نريد
أن نعرف أشباه تلك الدرجات فى القوة النظرية، فنقول:
من المعلوم الظاهر أنّ الأمور المعقولة التى نتوصل إلى اكتسابها بعد
الجهل بها، إنما نتوصل إلى اكتسابها بحصول الحد الأوسط فى القياس [2]. و هذا الحد الأوسط قد يحصل بضربين من
الحصول: فتارة يحصل بالحدس؛ و الحدس هو فعل الذهن يستنبط به بذاته الحد الأوسط؛ و
الذكاء [3] قوة الحدس. و تارة يحصل بالتعليم؛ و
مبادئ التعليم الحدس، فإنّ الأشياء تنتهى لا محالة إلى حدوس استنبطها أرباب تلك
الحدوس، ثم أدوها إلى المتعلمين.
فجائز إذن [4]
أن يقع للإنسان بنفسه الحدس، و أن ينعقد فى ذهنه القياس بلا معلم [5]. و هذا مما يتفاوت [6] بالكم و الكيف؛ أمّا فى الكم فلأنّ
بعض الناس يكون أكثر عدد حدس
[2] بعد الجهل بها إنما نتوصل إلى اكتسابها بحصول الحد الأوسط فى
القياس: بحصول الحد الأوسط بعد الجهل بها إنما نتوصل إلى اكتسابها بالقياس-، ه؛
إنما تكتسب بحصول الحد الأوسط بعد الجهل بها س.