يدفعه هؤلاء المتشبهة بالفلاسفة جهلا منهم بعلله و أسبابه، و قد
عملنا فى هذا الباب كتاب البر و الإثم فليتأمل شرح هذه الأمور من هناك و صدق بما
يحكى من العقوبات الإلهية النازلة على مدن فاسدة، و أشخاص ظالمة؛ و انظر أن الحق
كيف ينصر.
و اعلم أن السبب [1] فى الدعاء منا أيضا و فى الصدقة و غير ذلك و كذلك حدوث الظلم و
الإثم إنما يكون من هناك فإن مبادئ جميع هذه الأمور تنتهى إلى الطبيعة و الإرادة و
الاتفاق، و الطبيعة مبدؤها من هناك، و الإرادات التى لنا كائنة بعد ما لم تكن، و
كل كائن بعد ما لم يكن فله علة، و كل إرادة لنا فلها علة، و علة تلك الإرادة ليست
إرادة متسلسلة فى ذلك إلى غير النهاية، بل أمور تعرض من خارج، أرضية و سماوية؛ و
الأرضية تنتهى إلى السماوية، و اجتماع ذلك كله يوجب وجود الإرادة.
و اما الاتفاق فهو حادث عن مصادمات هذه، فإذا حللت الأمور كلها
استندت إلى مبادئ إيجابها، منزّل من عند اللّه تعالى.
و القضاء من اللّه تعالى هو الوضع الأول البسيط.
و التقدير هو ما يتوجه إليه القضاء على التدريج كأنه موجب اجتماعات
من الأمور البسيطة التى تنسب من حيث هى بسيطة إلى القضاء و الأمر الإلهى الأول. و
لو أمكن إنسانا من الناس أن يعرف الحوادث التى فى الأرض و السماء جميعها و
طبائعها، لفهم كيفية جميع ما يحدث فى المستقبل.
و هذا المنجم القائل بالأحكام- مع أن أوضاعه الأولى و مقدماته ليست
[1] - راجع الطبيعيات من الشفاء، ج 1، ص 225، و الأسفار، ج 3، ص
90.