فإن قال قائل: ليس الشر شيئا نادرا أو أقليا، بل هو أكثرى، فليس هو
كذلك بل الشر كثير و ليس بأكثرى، و فرق بين الكثير و الأكثرى، فإن ههنا أمورا
كثيرة هى كثيرة و ليست بأكثرية كالأمراض، فإنها كثيرة و ليست أكثرية. و إذا تأملت
هذا الصنف الذى نحن فى ذكره من الشر وجدته أقل من الخير الذى يقابله، و يوجد فى
مادته فضلا عنه بالقياس إلى الخيرات الأخرى الأبدية. نعم الشرور التى هى نقصانات
للكمالات الثالثة فهى أكثرية، لكنها ليست من الشرور التى كلامنا فيها، و هذه
الشرور مثل الجهل بالهندسيّة، و مثل فوت الجمال الرائع و غير ذلك مما لا يضر فى
الكمالات الأولى، و لا فى الكمالات التى تليها مما يظهر منفعتها، و هذه الشرور
ليست بفعل فاعل، بل لأن لا يفعل الفاعل لأجل أن القابل ليس مستعدا أو ليس يتحرك
إلى القبول، و هذه الشرور هى أعدام خيرات من باب الفضل و الزيادة.