تسمع تارة أنّ الحكمة هي أفضل علم بأفضل معلوم، و أخرى أنّ الحكمة هي
المعرفة التي هي أصحّ معرفة و أتقنها، و أخرى أنّها العلم بالأسباب الأولى للكلّ.
و كنت لا تعرف ما هذه الفلسفة الأولى، و ما هذه الحكمة، و هل الحدود و الصفات
الثلاث لصناعة واحدة، أو لصناعات مختلفة كلّ واحدة منها تسمّى حكمة.
و نحن نبيّن لك الآن أنّ هذا العلم الذي نحن بسبيله هو الفلسفة
الأولى، و أنّه الحكمة المطلقة، و أنّ الصفات الثلاث التي رسم (ترسم- خ) بها
الحكمة هي صفات صناعة واحدة، و هي هذه الصناعة. و قد علم أنّ لكلّ علم موضوعا
يخصّه، فلنبحث الآن عن الموضوع لهذا العلم، ما هو؟ و لننظر هل الموضوع لهذا العلم
هو إنّية اللّه تعالى جدّه، أو ليس ذلك (كذلك- خ) بل هو شيء من مطالب هذا العلم؟
فنقول: إنّه لا يجوز أن يكون ذلك هو الموضوع، و ذلك لأنّ موضوع كلّ
علم هو أمر مسلّم الوجود في ذلك العلم، و إنما يبحث عن أحواله، و قد علم هذا فى
مواضع أخرى. و وجود الإله تعالى جدّه لا يجوز أن يكون مسلّما في هذا العلم
كالموضوع، بل هو مطلوب فيه. و ذلك لأنّه إن لم يكن كذلك لم يخل إمّا أن يكون
مسلّما في هذا العلم و مطلوبا في علم آخر، و إمّا أن يكون مسلّما في هذا العلم و
غير مطلوب فى علم آخر، و كلا الوجهين باطلان. و ذلك لأنّه لا يجوز أن يكون مطلوبا
في علم آخر، لأنّ العلوم الأخرى إمّا خلقية أو سياسية، و إمّا طبيعية، و إمّا
رياضية، و إمّا منطقية.
و ليس في العلوم الحكمية علم خارج عن هذه القسمة، و ليس و لا في شيء
منها يبحث عن إثبات الإله تعالى جدّه، و لا يجوز أن يكون ذلك. و أنت تعرف هذا
بأدنى تأمّل لأصول تكرّرت عليك. و لا يجوز أيضا أن يكون