و إذ قد تقرَّر هذا فقد علمت أنَّ العلوم كلَّها تشترك في منفعةٍ
واحدةٍ و هى تحصيل كمال النَّفس الإنسانيَّة بالفعل تهيئةً
[1] إيّاها للسّعادة الأخرويَّة.
«تهيئه» [2]
إمّا بالضّمير، فهو خبر بعد خبر بحذف العاطف لقوله «هي»، أي تلكالمنفعة تحصيل
كمال النّفس وإعداد ذلك للكمال إيّاها أي تلكالنفس؛ أو بدونه فيحتمل الخبريّة
والعليّة للتحصيل، وفي بعض النّسخ «مهيّئةً» فيكون حالًا. وفي بعض النّسخ «لها»
بدل «إيّاها» والضّمير أيضاً للنّفس ولا يتغيّر المعنى.
ثمّ ظاهر هذا الكلام أنّ تحصيل الكمال منفعة العلوم والخير الّذي
توصل إليه سعادة الأخرة أي البهجة الّتي لها بعد خراب البدن، وعلى هذا تحصل
التفرقة بين النّافع- أعني العلوم- والمنفعة- أعني الكمال الّذي يحصل فيها- و
الخير الّذي يوصل منها إليه تلكالمنفعة وهو السعادة الأخرويّة.
و قيل: ليس في الأخرة كمال يحصل من العلوم، بل العلوم بأنفسها في
الأخرة هي الكمال الّذي يلتذّ به، وحينئذٍ يتحد النافع والمنفعة أعني العلوم
والكمال وان كانت السعادة مغايرة لهما، وعلى هذا
[3] لاتلتذّ النّفس بها في الدّنيا لاشتغالها بالمحسوسات 52// وتدبير
البدن [4]. ومراد الشّيخ أن 48 تحصيل العلوم سبب
لبقائها المقتضي لكونها سعادة في الأخرة، فيصحّ
[5] إطلاق المنفعة عليه بهذا الإعتبار.