ثم يخلص عبد القاهر من كل ذلك إلى القول بأن الشاعر الصنّاع يبلغ
بتصرفه في التشبيه إلى غايات الابتداع، فيقول: «وكفى دليلا على تصرفه باليد الصناع و إيفائه على غايات الابتداع أن
يريك العدم وجودا و الوجود عدما، و الميت حيّا و الحيّ ميتا، أعني جعلهم الرجل إذا
بقي له ذكر جميل و ثناء حسن بعد موته كأنه لم يمت، و جعل الذكر حياة له، كما قال: «ذكرة[2]الفتى
عمره الثاني»، و حكمهم على الخامل الساقط القدر الجاهل الدنيء بالموت ... و لطيفة
أخرى له و هي: جعل الموت نفسه حياة مستأنفة حتى يقال إنه بالموت استكمل الحياة في
قولهم: «فلانعاش حين مات» يراد الرجل تحمله
النفس الأبيّة و الأنفة من العار أن يسخو بنفسه في الجود و البأس و قتال الأعداء،
حتى يكون له يوم لا يزال يذكر، و حديث يعاد على مرّ الدهور و يشهر، كما قال ابن
نباتة: