responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني نویسنده : الجرجاني، عبد القاهر    جلد : 1  صفحه : 356

واقعة من المنشئ لها، و صادرة عن القاصد إليها. و إذا قلنا في الفعل: «إنه موضوع للخبر»، لم يكن المعنى فيه أنه موضوع لأن يعلم به الخبر في نفسه و جنسه، و من أصله، و ما هو؟ و لكن المعنى أنه موضوع، حتى إذا ضممته إلى اسم، عقل به و من ذلك الاسم، الخبر، بالمعنى الذي اشتقّ ذلك الفعل منه من مسمّى ذلك الاسم، واقعا منك أيّها المتكلّم، فاعرفه.

بسم اللّه الرحمن الرحيم‌

فصل [تحليلي للنظم‌]

اعلم أنّك لن ترى عجبا أعجب من الذي عليه الناس في أمر النظم»، و ذلك أنه ما من أحد له أدنى معرفة إلّا و هو يعلم أن هاهنا نظما أحسن من نظم، ثم تراهم إذا أنت أردت أن تبصّرهم ذلك تسدر أعينهم‌، و تضلّ عنهم أفهامهم. و سبب ذلك أنهم أوّل شي‌ء عدموا العلم به نفسه، من حيث حسبوه شيئا غير توخّي معاني النحو، و جعلوه يكون في الألفاظ دون المعاني. فأنت تلقي الجهد حتى تميلهم عن رأيهم، لأنك تعالج مرضا مزمنا، و داء متمكّنا. ثم إذا أنت قدتهم بالخزائم‌ إلى الاعتراف بأن لا معنى له غير توخّي معاني النحو، عرض لهم من بعد خاطر يدهشهم، حتى يكادوا يعودون إلى رأس أمرهم. و ذلك أنّهم يروننا ندّعي المزيّة و الحسن لنظم كلام من غير أن يكون فيه من معاني النحو شي‌ء يتصوّر أن يتفاضل الناس في العلم به، و يروننا لا نستطيع أن نضع اليد من معاني النحو و وجوهه على شي‌ء نزعم أنّ من شأن هذا أن يوجب المزيّة لكلّ كلام يكون فيه، بل يروننا ندّعي المزيّة لكل ما ندّعيها له من معاني النحو و وجوهه و فروقه في موضع دون موضع، و في كلام دون كلام، و في الأقلّ دون الأكثر، و في الواحد من الألف. فإذا رأوا الأمر كذلك، دخلتهم الشّبهة و قالوا: كيف يصير المعروف مجهولا؟ و من أين يتصوّر أن يكون للشي‌ء في كلام مزيّة عليه في كلام آخر، بعد أن تكون حقيقته فيهما حقيقة واحدة؟

فإذا رأوا التنكير يكون فيما لا يحصى من المواضع ثم لا يقتضي فضلا، و لا يوجب مزيّة، اتّهمونا في دعوانا ما ادّعيناه لتنكير الحياة في قوله تعالى:


[1] سدر بصره: تحيّر.

[2] حلق من شعر يشد بها.

دلائل الإعجاز في علم المعاني، ص: 357

وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة: 179]، من أنّ له حسنا و مزيّة، و أنّ فيه بلاغة عجيبة، و ظنّوه و هما منّا و تخيّلا.

و لسنا نستطيع في كشف الشّبهة في هذا عنهم، و تصوير الذي هو الحقّ عندهم، ما استطعناه في نفس النظم، لأنّا ملكنا في ذلك أن نضطرّهم إلى أن يعلموا صحّة ما نقول. و ليس الأمر في هذا كذلك، فليس الداء فيه بالهيّن، و لا هو بحيث إذا رمت العلاج منه وجدت الإمكان فيه مع كلّ أحد مسعفا، و السّعي منجحا، لأنّ المزايا التي تحتاج أن تعلمهم مكانها و تصوّر لهم شأنها، أمور خفيّة، و معان روحانيّة، أنت لا تستطيع أن تنبّه السامع لها، و تحدث له علما بها، حتى يكون مهيّئا لإدراكها، تكون فيه طبيعة قابلة لها، و يكون له ذوق و قريحة يجد لهما في نفسه إحساسا بأن من شأن هذه الوجوه و الفروق أن تعرض فيها المزيّة على الجملة و من إذا تصفّح الكلام و تدبّر الشعر، فرّق بين موقع شي‌ء منها و شي‌ء، و من إذا أنشدته قوله: [من السريع‌]

لي منك ما للنّاس كلّهم‌

نظر و تسليم على الطّرق‌

و قول البحتريّ: [من الكامل‌]

و سأستقلّ لك الدّموع صبابة

و لو أنّ دجلة لي عليك دموع‌

و قوله: [من الطويل‌]

رأت فلتات الشّيب فابتسمت لها

و قالت: نجوم لو طلعن بأسعد

و قول أبي نواس: [من البسيط]


[1] البيت لشمروخ، و هو: أبو عمارة محمد بن أحمد بن أبي مرة المكي، و هي أبيات من معجم الشعراء [438] ، و الزهرة [10] ، و مصارع العشاق [174] ، غير منسوب و أبياته هي:

 

يا من بدائع حسن صورته‌

تثنى إليه أعنة الحدق‌

لي منك ما للناس كلهم‌

نظر و تسليم على الطرق‌

لكنهم سعدوا بأمنهم‌

و شقيت حين أراك بالفرق‌

سلموا من البلوى ولي كبد

حرى و دمعة هائم ملق‌

«شاكر».

[2] البيت في الديوان (1/ 282) يودع إبراهيم بن حسن بن سهل.

[3] البيت في ديوانه، و فلتات الشيب أول ما أسرع إليه من الشيب.

نام کتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني نویسنده : الجرجاني، عبد القاهر    جلد : 1  صفحه : 356
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست