نام کتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني نویسنده : الجرجاني، عبد القاهر جلد : 1 صفحه : 206
فصل [من التوكيد]
و اعلم أن ممّا أغمض الطريق إلى
معرفة ما نحن بصدده، أنّ هاهنا فروقا خفيّة تجهلها العامة و كثير من الخاصّة، ليس
أنهم يجهلونها في موضع و يعرفونها في آخر، بل لا يدرون أنّها هي، و لا يعلمونها في
جملة و لا تفصيل.
روي عن ابن الأنباريّ أنه قال:
ركب الكنديّ المتفلسف إلى أبي العباس و قال له: إنّي لأجد في كلام العرب حشوا!
فقال له أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟ فقال: أجد العرب يقولون: «عبد اللّه
قائم»، ثم يقولون «إنّ عبد اللّه قائم»، ثم يقولون: «إنّ عبد اللّه لقائم»،
فالألفاظ متكرّرة و المعنى واحد.
فقال أبو العباس: بل المعاني
مختلفة لاختلاف الألفاظ فقولهم: «عبد اللّه قائم»، إخبار عن قيامه و قولهم: «إنّ
عبد اللّه قائم»، جواب عن سؤال سائل و قوله: «إنه عبد اللّه لقائم»، جواب عن إنكار
منكر قيامه، فقد تكرّرت الألفاظ لتكرّر المعاني. قال فما أحار المتفلسف جوابا.
و إذا كان الكنديّ يذهب هذا عليه
حتى يركب فيه ركوب مستفهم أو معترض، فما ظنّك بالعامّة، و من هم في عداد العامّة،
ممن لا يخطر شبه هذا بباله؟.
و اعلم أنّ هاهنا دقائق لو أنّ
الكنديّ استقرى و تصفّح و تتبع مواقع «إنّ»، ثم ألطف النّظر و أكثر التدبّر، لعلم
علم ضرورة أن ليس سواء دخولها و أن لا تدخل. فأوّل ذلك و أعجبه ما قدّمت لك ذكره
في بيت بشّار: [من الخفيف]
بكّرا صاحبيّ قبل الهجير
إنّ ذاك النّجاح في التّبكير
و ما أنشدته معه من قول بعض العرب:
[من الرجز]
فغنّها و هي لك الفداء
إنّ غناء الإبل الحداء
[1] ابن الأنباري: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن
الأنباري أبو بكر أديب نحوي لغوي مفسر من كتبه (الكافي في النحو)، (غريب الحديث)
توفي عام 328 ه (شذرات الذهب 2/ 315)، و معجم المؤلفين (11/ 143).
[2] الكندي: يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي أبو يوسف فيلسوف
العرب و الإسلام في عصره اشتهر بالطب و الفلسفة و الموسيقى و غيرها، ألف و ترجم
كتبا كثيرة توفي 260 ه (الأعلام).
[3] إلى أبي العباس و المراد به أبو العباس المبرد صاحب الكامل.
(8/ 195).