اعلم أن أصل حروف المجازاة (إن) و
إنما وجب أن تكون الأصل لأنها لا تخرج عن الجزاء، و لا تختص بالاستعمال في بعض
الأشياء دون بعض، و سائر ما يجازى به سواها قد يخرج من باب الجزاء إلى غيره، و من
الجزاء (من و ما و أي و متى و أين و أنّى) و كل هذه تستعمل استفهاما و تخرج من باب
الجزاء.
و أما (مهما) ففيها وجهان:
أحدهما: أن يكون الأصل فيها (ما)
فزيدت عليها (ما) كما تزاد على (إن) فصار اللفظ (ما ما) فأبدلوا من الألف الأولى
(هاء) لأنها من مخرجها كراهة لتكرار اللفظ فصار اللفظ (مهما) و قد بينا أن (ما)
تستعمل في غير المجازاة.
و الثاني: أن يكون الأصل فيها (مه)
مثل (صه) بمعنى اسكت، ثم زيد عليها (ما) و هذه أيضا لا تختص بالجزاء و إنما ساغ
دخولها في الجزاء لأن الجزاء قد يجاب بجواب الشرط، و هو غير واجب، فجاز أن يستعمل
بعد ألفاظه.
فأما (حيث) فظرف من المكان و لا
تستعمل في باب الجزاء إلا بزيادة (ما) عليها، و كذلك (إذ) هي ظرف من الزمان و لا
تستعمل في الجزاء إلا بدخول (ما) عليها فقد بان بما ذكرناه أن جميع ما يستعمل في
باب الجزاء مدخل فيها و غير مختص به فلذلك وجب أن تكون (إن) الأصل و ما سواها
محمول عليها.
[4] قال سيبويه:" و سألت الخليل عن (مهما) فقال هي (ما) أدخلت
معها (ما) لغوا بمنزلتها مع متى ... و بمنزلتها مع إن ... و بمنزلتها مع أين ... و
بمنزلتها مع أيّ ... و لكنهم استقبحوا أن يكرّروا لفظا واحدا فيقولوا ما ما
فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى، و قد يجوز أن يكون مه كإذ، ضمّ إليها
ما". الكتاب 1/ 433 (بولاق).