و وجه ثالث: أنها لما كانت مشبهة بالحروف في العمل و كانت الحروف مشبهة
بالفعل صارت فرعا للفرع فضعفت فجعل البناء فيها دليلا على ضعفها.
و اعلم أن النكرة التي تبنى مع
(لا) في المفردة، و إن كانت موصولة أو مضافة لم يجز البناء فيها؛ لأن التنوين يصير
في وسط الكلمة فيجري مجرى سائر الحروف، و المضاف إليه يقوم مقام التنوين فيمنع أيضا
من البناء، و ذلك نحو قوله:
لا غلام رجل عندك، و لا خيرا من
زيد عندك، فصار ما عوض فيها يمنع من البناء كما منع ذلك في المنادى.
و اعلم أن النكرة التي تنصبها
بالتبرئة أعني (لا) يراد بها الجنس، و لا يراد بها نفي شخص واحد؛ لأنها جواب تقتضي
الجنس و ليس يراد بها نفي شخص واحد، فإذا قلت: لا رجل عندك، فالمعنى لا واحد من
هذا الجنس عندك و لا أكثر منه.
و اعلم أن (لا) [و] ما تعمل فيه في
موضع رفع بالابتداء و لا بد له من خبر و حكم خبره إن كان اسما أن يكون مرفوعا كخبر
المبتدأ إذ كان هو الأول كقولك: لا رجل أفضل منك، فأفضل منك خبر الابتداء، و إن
فصلت بين (لا) و ما تعمل فيه بطل عملها؛ لأنها مشبهة بالحروف فلم تقو على العمل مع
الفصل، و مع ذلك فإنها مع النكرة المفردة كاسمين جعلا اسما واحدا قام مقامهما،
فكما أن الفصل بين الشيئين اللذين هما كالشيء الواحد لا يجوز فكذلك أيضا لم يجز الفصل
بين (لا) و ما تعمل فيه إذ قد جريا مجرى شيء واحد.