إخراج المنفي من حكم غير النفي فإن ثبت له معنى آخر فصار فيها معنى
الانقطاع فدخلا في حكم الاستثناء فإنما خصا بهذا من بين سائر الأفعال؛ لأن (ليس)
تضمنت معنى النفي فلو استعمل غيرها احتيج إلى حرف آخر معها، فلما تضمنت معنى حرف
النفي كانت أولى بالاستعمال لنيابتها عن فعل و حرف، إذ هي بتضمنها معنى الحرف تشبه
ب (إلا) و أما (إلا أن يكون) فاستعملت لكثرة دوران (أن) و (يكون) في الكلام.
و اعلم أن (ليس) و (لا يكون)
معناهما في الاستثناء معنى الإيجاب لأنهما أقيما مقام (إلا) للإيجاب فلذلك لم
يكونا للنفي فإذا قلت: أتاني القوم ليس زيدا، فهو بمعنى قولك: أتاني القوم إلا
زيدا، و إنما استويا في هذا الحكم؛ لأن (إلا) تخرج ما بعدها من حكم ما قبلها كما
أن النفي له هذا الحكم فلهذا استويا.
و اعلم أن (ليس) و (لا يكون) إذا
أريد بهما الاستثناء يقدر فيهما ضمير اسمهما و لا يثنى ذلك الضمير و لا يجمع و لا
يؤنث و إن كان ما قبله مؤنثا كقولك: جاءني النسوة ليس فلانة، و تقدير المضمر: ليس
بعضهم فلانة، و كذلك: لا يكون بعضهم فلانة، و إنما قدر الضمير بتقدير البعض؛ لأن
البعض ينتظم الواحد فما فوقه و هو مذكر في اللفظ و إن كان مضافا إلى مؤنث فلذلك
لزما وجها واحدا، و إنما وجب ذلك لأنهما قاما مقام الحرف أعني (إلا) و كانت (إلا)
لا يختلف لفظها في جميع الوجوه وجب أيضا أن يكون ما قام مقامها على لفظ واحد فيجري
مجراها، و يدل استعماله على هذا الوجه أنه خارج عن أصله و ملحق بحكم غيره.
أما إذا جعلت (ليس) و (لا يكون)
صفات لما قبلها و لم تجعلها استثناء ثنيت و جمعت و أنثت فقلت: أتتني امرأة ليست
فلانة، و على هذا فقس، و هذا الذي ذكرناه ينتظم في جميع هذا الباب إن شاء اللّه.
[1] في الأصل: فإنما خصا بهذا الأفعال من بين سائر الأفعال.