الجر مقدر فيها، و إذا قلت: زيد خلفك، فإنما وجب تقدير الاستقرار،
لأن زيدا مبتدأ فلا بد له من خبر، و الخبر يحتاج أن يتعلق بالمخبر عنه، فلو لم
تقدر الاستقرار لم يتعلق الخبر بزيد، و أما القتال اليوم فلا يجوز أن يكون اليوم
منصوبا بالقتال؛ لأنه لو انتصب به لصار من صلته فبقي المبتدأ بلا خبر، و إذا كان
كذلك وجب أن تقدر بعد القتال فعلا ينتصب اليوم به.
فإن قال قائل: فمن أين جاز أن تقوم
المصادر مقام الظروف في قولهم: زيد مني مزجر الكلب، و أتيتك مقام الحاج؟
قيل له: لأن الفعل لما كان دالا
على المصدر و الزمان دلالة واحدة اشتركا من هذا الوجه و إن الأفعال تقتضي الزمان
فجرت المصادر مجرى الزمان فجاز أن تخلفها./
فإن قال قائل: فهل يجوز القياس على
ما سمع من العرب، فيقال مكان السارية؟ قيل له: لا يجوز ذلك و السبب فيه أن هذه
المصادر لما كانت معلومة المواضع في القرب و البعد جعلت تمثيلا للقرب و البعد،
فإذا قلت: زيد مني مقعد القابلة، دل ذلك على قربه مني إذ كانت القابلة قد استقر
قربها ممن تقبله في النفوس، فإذا قلت: هو مني مزجر الكلب، دل على إبعاده و إهانته،
فأما مكان السارية و مربط الفرس فليس لها مواضع مخصوصة، و قد تكون قريبة و بعيدة،
فلما لم يستقر حكمها على قرب مخصوص و لا على بعد مخصوص و لم يجز أن تجعل تمثيلا
لأحدهما لاحتمال أمرين فاعرفه ...