موضع الحال كقولهم: أرسلها العراك، فالتقدير: أرسلها تعترك العراك،
فالعراك نصب على المصدر، و المصادر تكون معرفة و نكرة، و تعترك هو الحال فأقيم
العراك مقامه.
و الوجه الثاني: أن المصادر التي
فيها الألف و اللام قد تقوم مقام فعل الأمر كقولهم: الحذر الحذر، و الأفعال مع
فاعلها جمل، و الجمل نكرات، فلما جاز أن يقوم المصدر الذي فيه الألف و اللام مقام
الفعل في الأمر/ جاز أن يقوم مقام الحال لما ذكرناه، و اشتقاق الجمّاء من الجمّة و
هو الشعر المجتمع على الرأس فمثّل كثرة الناس بالشعر و إنما أنث فقيل الجماء: لأن
المصادر قد تؤنث كقولهم ضربته ضربة.
و إنما قيل الغفير بغير لفظ
التأنيث؛ لأنه فعيل في معنى مفعول، كأنه غفر بعضهم بعضا أي غطى، فلهذا لم يؤنث
الغفير كما يقال: كف خضيب.
و أما قولهم: هذا زيد حقا، و الحق
كالباطل فالنصب على المصدر كأنك قلت:
أحقّ الحقّ، و أحقّ حقا لا أتوهّم
الباطل، و إنما تذكر هذه المصادر بعد الجمل توكيدا؛ لأن الخبر قد يكون حقا و باطلا
فصار في الجملة دليل على أحق.
و اعلم أنك إذا قدمت هذه المصادر
بين المبتدأ و خبره جاز كقولك: زيد حقا أخوك، فإن قلت: حقا: زيد أخوك لم يجز و
إنما جاز توسيطها و لم يجز تقديمها، لأنّا قد بينا أن هذه المصادر توكيد للجمل
فلما قدمناها قبل الجمل بدأنا
[2] هذا الوجه يمثل رأي ابن السرّاج بقولهم: أرسلها العراك.
[3] في اللسان الجمّة بالضم: مجتمع شعر الرأس و هي أكثر من الوفرة،
... و الجمّة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين ... و الجمع جمم و جمام، اللسان (جمم)
14/ 374.