وعدم المبالاة بالدنيا من ناحية، والعمل بمفهوم خلافة الله في أرضه الذي يتطلّب عمرانها واستخراج خيراتها وبركاتها من ناحية أُخرى، في حين أنّ كلتا الحالتين قد أُمرنا بهما في الشريعة، ولكنّك ترى عملا أن كثيراً ممّن يقبل على الزهد وترك الدنيا ينصرف عن العمل الجادّ في الدنيا، والاستفادة من نعم الله في سبيل ترفيه العائلة، أو مساعدة الجيران، أو طلب الخير للمسلمين، وما إلى ذلك، ويتقوقعُ على نفسه، ويترك الأعمال الاجتماعيّة. وترى كثيراً ممن لديه أعمال خيرية أو اجتماعيّة لمصلحة العباد ينسى الزهد في هذه الدنيا، وينكبُّ عليها حلالا أو حراماً، ويقتنع بما يرى من نفسه من بعض الخيرات والمبرات أو الأعمال الاجتماعيّة، وينسى قوله تعالى: ﴿... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[1].
والخلاصة: أ نّه يصعب على أُفق النفس الضيقة الجمع بين خصلة ورد فيها عن الصادق قوله: « جعل الخير كلّه في بيت، وجعل مفتاحهُ الزهد في الدنيا. قال: قال رسول الله لا يجد الرجل حلاوة الإيمان في قلبه حتّى لا يبالي من أكل الدنيا. ثُمّ قال أبو عبدالله : حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدنيا»[2] وخصلة الاهتمام بالحصول على خزائن الأرض لصالح تحكيم المبدأ والعقيدة بين الناس، كما حكى الله تعالى عن يوسف قوله: ﴿ ... اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[3] ولكن النفوس الكاملة لا ترى أيّ صعوبة في الجمع بين الخصلتين.
وها هو إمامنا أمير المؤمنين سلام الله عليه لا يرى تهافتاً بين الصفتين، فمن