أعدل وأحكم من ذلك. قال : ثُمّ قال : قال الله : يابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيّئاتك منّي. عملت المعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك»[1].
انظر إلى هذه الرواية الطريفة كيف تشير إلى إفاضة القدرة من الله وانتساب الفعل إلى العبد، وتقول عن لسان الله تعالى : « يابن آدم أنا أولى بحسناتك منك »; لأنّ قدرتك عليها منّي. « وأنت أولى بسيّئاتك منّي »; لأنَّ قدرتك التي أخذتها منّي صرفتها فيما هو مبغوض لي بحسب عالم التشريع.
والخامسة : الرواية المرويّة عن جعفر الصادق أ نّه قال لقدريّ : «اقرأ الفاتحة، فقرأ، فلمّا بلغ قوله : ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[2]. قال له جعفر : على ماذا تستعين بالله وعندك أنّ الفعل منك، وجميع ما يتعلّق بالأقدار والتمكين والألطاف قد حصلت وتمّت ؟ ! فانقطع القدريّ»[3].
أمّا ما قاله صاحب منازل السائرين من: أنّ الدرجة الثانية للتوكّل تشتمل على ترك الأسباب طلباً للاجتهاد في التوكّل، فهذا كلام باطل; وذلك لأنّ الله تعالى وإن كان هو المدبّر للأُمور ﴿يُدَبِّرُ الاَْمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الاَْرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَة مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾[4] وهو ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ ...﴾[5].
إلاّ أنّ تدبيره على نمطين :
أحدهما : تدبيره لما لا يعقل ولا يدرك ولا يريد ولا يختار كما في الجمادات والنباتات، فهو يدبّر أمرها أفضل تدبير من دون توسّط اختيار تلك الأُمور