ويؤمن هذا الاتّجاه بأنّ الإنسان يعيش تناقضاً داخلياً بين روحه وجسده ، ولا يتكامل في أحد هذين الجانبين إلاّ على حساب الجانب الآخر . فلكي ينمو ويزكو روحياً يجب أن يُحرّم جسده من الطيبات ، ويقلّص وجوده على مسرح الحياة ، ويمارس صراعاً مستمرّاً ضدّ رغباته وتطلّعاته إلى مختلف ميادين الحياة ; حتّى يتمّ له الانتصار عليها جميعاً عن طريق الكفّ المستمرّ والحرمان الطويل ، والممارسات العبادية المحددة .
والشريعة الإسلامية ترفض هذا الاتّجاه أيضاً ; لأ نّها تريد العبادات من أجل الحياة ، فلا يمكن أن تصادر الحياة من أجل العبادات . وهي في الوقت نفسه تحرص على أن يسكب الإنسان الصالح روح العبادة في كلّ تصرّفاته ونشاطاته ، ولكن لا بمعنى أ نّه يكفّ عن النشاطات المتعدّدة في الحياة ويحصر نفسه بين جدران المعبد ، بل بمعنى أن يحوّل تلك النشاطات إلى عبادات . فالمسجد منطلق للإنسان الصالح في سلوكه اليومي ، وليس محدّداً لهذا السلوك ، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله)لأبي ذر : « إن استطعت أن لا تأكل ولا تشرب إلاّ لله فافعل »[1] .
وهكذا تكون العبادة من أجل الحياة ، ويقدّر نجاحها التربويّ والديني بمدى امتدادها مضموناً وروحاً إلى شتّى مجالات الحياة .
3 ـ الجانب الحسّي في العبادة :
إدراك الإنسان ليس مجرّد إحساس فحسب ، وليس مجرّد تفكير عقليّ
[1] ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصاياه لأبي ذرّ : « يا أبا ذرّ ليكن لك في كلّ شيء نيّة حتى في النوم والأكل» . بحار الأنوار 74 : 84 ، الباب 4 من كتاب الروضة ، الحديث 3 .