توصّل الإنسان إلى الإيمان بالله منذ أبعد الأزمان ، وعبده وأخلص له ، وأحسّ بارتباط عميق به قبل أن يصل إلى أيّ مرحلة من التجريد الفكري الفلسفي ، أو الفهم المكتمل لأساليب الاستدلال .
ولم يكن هذا الإيمان وليد تناقض طبقي ، أو من صنع مستغِلّين ظالمين تكريساً لاستغلالهم ، أو مستغَلّين مظلومين تنفيساً لهم ; لأنّ هذا الإيمان سبق في تاريخ البشرية أيّ تناقضات من هذا القبيل .
ولم يكن هذا الإيمان وليد مخاوف وشعور بالرعب تجاه كوارث الطبيعة وسلوكها المضادّ ، ولو كان الدين وليد خوف وحصيلة رعب لكان أكثر الناس تديّناً على مرّ التاريخ هم أشدّهم خوفاً وأسرعهم هلعاً ، مع أنّ الذين حملوا مشعل الدين على مرّ الزمن كانوا من أقوى الناس نفساً وأصلبهم عوداً .
بل إنّ هذا الإيمان يعبّر عن نزعة أصيلة في الإنسان إلى التعلّق بخالقه ، ووجدان راسخ يدرك بفطرته علاقة الإنسان بربّه وكونه .
وفي فترة تالية تفلسف الإنسان ، واستخلص من الأشياء التي تحوطه في الكون مفاهيم عامّة ، كالوجود والعدم ، والوجوب والإمكان والاستحالة ، والوحدة والكثرة ، والتركّب والبساطة ، والجزء والكلّ ، والتقدّم والتأخّر ، والعلّة