كلّا؛ فكل إنسان حرٌّ في اعتناق العقيدة، وهو حرُّ أيضاً وقادر على تجاوز ضغوط التراث .. وليس محقّاً أبداً في ادعائه عدم عقلانية آبائه أو تأريخه، لأنه سيحاسب في يوم القيامة حساباً منفرداً وفي معزل عن الآخرين وحسابهم، وعليه فإن هذا التبرير وأمثاله غير مقبول لدى ربّ العباد.
ويضرب الله جلّ وعلا مثلًا لنا؛ إنساناً آتاه العلم وهداه إلى الصراط المستقيم وبيّن له الآيات، ولكنّه انسلخ عنها، حيث يقول: (وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوينَ* وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى اْلأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف/ 176 175). فآيات الله قد بصّرته وذكرته وزوّدته بالحكمة، ولكنّه انسلخ منها انسلاخاً وجد خلاله الشيطان له قريناً تابعاً، لأنه رأى فيه فرصته الذهبية لإغواء الآخرين به ..
إذن؛ فليس من الصحيح والمجدي أن يبرر الإنسان ضلاله وانحرافه بأنه هكذا اعتقد وهكذا اقتنع وهكذا فكر، بل لا يجوز له وهي فريضة فطرية ودينية أن يقتنع إلّا بالحق دون سواه، كما لابدّ له من اختيار الطريق المناسب للوصول إلى الحق، لأنه الوسيلة الوحيدة