بعد أن يجد الإنسان موقع قدم ثابت يستقيم عليه، وهو تذكرة العقل، يشرع في بناء صرح معرفته على أسس رصينة متماسكة متوازنة، وأول ما يقوم به الفرد اعتمادًا على عقله في هذا المجال هو عملية جرد الأفكار، وهي تنطلق من القاعدة التالية: إذا كانت الحادثة بحاجة إلى المصدر، فكل فكرة حادثة بحاجة هي الأخرى إلى المصدر، فما هو مصدر الفكرة الحادثة؟.
وبكشف ذاتي للأفكار، يصنف العقل مصدرها في ثلاثة أنواع:
1- العقل ذاته، أو بتعبير أدق: الأحكام العقلية والمسبقات الفكرية.
2- النفس وما تنطوي عليه من هوى وجهل.
3- الحس بألوانه المختلفة.
وفيما يلي نقوم بالبحث عن كل واحد من هذه الأنواع وكيفية نقد العقل لها، لكي نتعرف على العلاقة الوثيقة بين العقل والعلم.
يمكن للإنسان تجنب الخطأ إذا التفت إلى عقله وميَّزه ممَّا قد يلصق به من الجهل والضلالة.
ألف: الفكرة وعقل الإنسان:
في البدء لابد أن نُثبِّت ملاحظة عن معنى الفكرة، وأنها تعني هاجسة النفس، وهي لا تعدو أن تكون استعادة لمحفوظات أو معلومات سابقة. وبالتالي فهي من عمل النفس ونحن إنما نريد هذا المفهوم حينما نعبر هنا بالفكرة، لكي نستطيع أن نُميِّزها من حكم العقل.