وهنا يبدو مدى تناقض النظرية الفيضية، ذلك لأن فعل الفاعل شيء واحد ولا يمكن أن يعلل من جهة ولا يعلل من جهة ثانية، فأما أن تكون مشيئة الله كافية للخلق أولا، فإن كانت كافية، فلماذا البحث عن علة أخرى تحت غطاء علة المفعولية؟ وإن كانت غير كافية، فلماذا تقولون إن قدرة الله وفاعليته لا تعلل؟
والواقع إن السؤال عن سبب خلق الله، إنما هو لمعرفة الحكمة التي وراء هذا الخلق أو ذاك بعد أن ثبت لدينا بأن لا شيء من الخلق من دون حكمة بالغة، فالسؤال إنما هو لتكميل معارفنا، وليس لبحث عن علة للخلق خارجة عن رحمة الله وقدرته وحكمته، وهو القائل عز من قائل:
يقول ملا صدرا: نعلم أنه تام الفاعلية، تام الإرادة ليس في ذاته قصد زائد أو إرادة حادثة، فيجب كونه صانعاً فياضاً، لم يزل ولا يزال باسطاً يده بالرحمة والعطاء في الآباد والأزال بلا قصور، إنما القصور فينا أبناء عالم الدنيا والأجسام وسكان قرية الهيولي الظالم أهلها وهي دار الزوال والانتقال [1].
وهذا المبدأ هو الذي يدفعهم إلى المبدأ التالي، الذي من الصعب التخلص من آثاره الجبرية، ذلك لأن وجوب صدور الأشياء من الله عز وجل يفقده القدرة على الاختيار.
وإذا فقدت قدرته، لم يكن حميداً على فعاله، ولم يكن فعالًا لما يشاء.
ويحق لك أن تتساءل: ما الذي أوجب الفيض الدائم على الله؟
يجيب الفيضيون: قدم إرادته، وأنها عين ذاته.
[1] () ثم يقول بعد ذلك، وهو يمتدح نفسه بغلوٍ كبير: فإذاً الجمع بين الحكمة والشريعة في هذه المسألة العظيمة لا يمكن إلا بما هدانا الله إليه وكشف الحجاب عن وجه بصيرتنا بملاحظة الأمر على ما هو عليه من تحقيق تجدد الأكوان الطبيعية .. الخ، (المصدر، ص 328، ج 3.