وبطبيعة الحال فإن هذا الاعتقاد هو اعتقاد مخالف لوجدان الانسان، فالمرء إذا اعتقد بأن تطور الطبيعة قد توقف وانتهى تقديرها، فإنه سيكف يده عن التأثير فيها بأي شكل من الاشكال، وهذا ما نطلق عليه بالقدرية. وبتعبير آخر: إن على الانسان- حسب هذه النظرية- الخضوع للحوادث الطارئة عليه؛ شاء ام أبى، وليس عليه أن يغير شيئا مما يجري حوله. ولا شك إن وراء نشر مثل هذا الاعتقاد أياد يهمها أن لايكون بنو البشر سوى موجودات جامدة ومجرد جثث متحركة ... ولا شك أيضا أن الطواغيت وجبابرة البشر هم الذين أكدوا على مثل هذه المقولة الباطلة، إذ قالوا للناس: بان السلطات الحاكمة- أية سلطات- إنما تعبّر عن ارادة الله ولا يجوز مقاومتها، ذلك لأنهم يتساءلون بان حكم هذه السلطات هل جاء بتقدير من الله أم من دون تقدير الهي؟ فإذا كان بتقدير الله فكيف يستطيع المخلوق تغيير ما رسمه الخالق في الأزل؟ واذا لم يكن بتقدير الهي فكيف يجري في الكون ما لم يقدّره الله؟!
هذه هي السمة الاولى التي اتسمت بها الفلسفة في العمق، ولم تستطع الفلسفة البشرية التخلص منها حتى الآن، لأن جوهرها وجذرها التأريخي ضارب في القدم، إضافة الى ما تتركه الوجهة الثانية من تكوين غرائز الانسان وطبيعته الراغبة في الجمود والتثاقل الى الارض وتبرير الذنوب وعدم التطور، والى ما تخلفه الظروف المؤاتية لا ستمرار الجهل من قبيل استمرار الجبابرة والطواغيت في إغفال الناس.
لا .. للمسؤولية ..
ثانياً: إن الفلسفة القائمة على فكرة عجز الله عن التغيير والتبديل، توحي بشكل مباشر بتهميش فكرة مسؤولية الانسان، وأنه خليفة الله بانتخاب الله ذاته. في