responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 345

وهذه حاله لا يصح أن ينسب إلى قصور في الرأي وضعف في التدبير ولا أن ينسب خصمه الذي كان يتوسل إلى تحصيل الملك والامارة بكل ما يمكنه إلى أنه أصح منه تدبيرا وأسد رأيا وانما يصح أن ينسب إلى ذلك من يدبر أمرا ليتوصل به إلى مطلوبه فتكون نتيجته بالعكس لجهله بمواقع الأمور وشئ من هذا لم يحصل من أمير المؤمنين ع ولا يمكن أن يحصل فهو اعلم الناس بمواقع الأمور وقد ابان عن هذا مرارا بقوله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة فيدعها رأي العين وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين وقوله كما في نهج البلاغة والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة [1] وخصمه كان يرى التوصل إلى الملك والامارة بكل ما يمكنه من حلال أو حرام من أي طريق كان وبأي وجه اتفق لا يستثني في سبيل ذلك شيئا ولا يتقيد بأمر دون آخر ومثل هذا لا يصح أن يقال عنه أنه أسد رأيا وأصح تدبيرا ولذلك تغلب على قسم كبير من المملكة الاسلامية وقد أشار إلى ذلك ابن أبي الحديد في تتمة كلامه السابق حيث قال وانما قال أعداؤه أنه لا رأي له لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه وقد قال ع لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب وغيره كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه سواء كان مطابقا للشرع أو لم يكن ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه تكون أحواله الدنياوية إلى الانتظام أقرب ومن كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدنياوية إلى الانتشار أقرب اه. وإن نظر كثير من الناس إلى علي بن أبي طالب نظرهم إلى من يطلب ملكا وامارة ويريد أن يكون سلطانا آمرا ناهيا متسلطا متمتعا بنعيم الدنيا متهالكا في حب الجلوس على عرش الملك والقبض على صولجان الحكم يجمع الأموال ويصرفها فيما يحب ويولي أبناءه وأقرباءه ومن يمت إليه ويستكثر من الخدم والحشم ومثل هذا يتوسل للوصول إلى مطلوبه والحصول على بغيته بكل وسيلة شريفة أو غير شريفة فيتوسل بالكذب والخداع ونقض العهود وقتل النفوس ودس السم والرشوة ومداهنة الظلمة والخونة وتقريبهم والاستعانة بهم واجزال العطايا لهم وعدم الالتفات إلى الضعفاء وعدم المبالاة بهم وحرمانهم ولو كانوا من أولياء الله والظلم والعسف والمؤاخذة بالظن والتهمة. وبالجملة فعل كل ما يظن به الوصول إلى غايته كيفما كان وترك كل ما يظن به البعد عن غايته مهما كان فإذا رأوا أمير المؤمنين ع فعل شيئا بضد هذه الأفعال ظنوا بعقولهم القاصرة أن ذلك لقلة خبرة منه بالسياسة ولم يعلموا أن أمير المؤمنين ع لم يكن طالب دنيا ولا امرة ولا سلطنة بل طالب آخرة وهدفه إقامة الحق وخذلان الباطل فكيف يتوسل بالباطل إلى نيل الملك وهو الذي كان يقول والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت ويقول في نعله التي لا تساوي درهما والله لامرتكم هذه أهون علي من هذه النعل الا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا وهو الذي لم يقبل يوم الشورى أن يبايعه عبد الرحمن بن عوف الا على كتاب الله وسنة رسوله ص ولم يرض أن يدخل معهما سيرة الشيخين حتى عدل عنه إلى من قبل بذلك. وهو الذي ناقش خازنه على زق عسل في بيت المال استقرض منه ولده شيئا يسيرا لأضيافه وهو الذي لم يحاب أخاه عقيلا في شئ يزيده به عن عطائه. على أن ما تمكن في النفوس من الحقد عليه بمن قتله من القبائل والحسد له بما أعطاه الله من فضل كان يحول دون انقياد الجمهور له ويفسد عليه كثيرا من آرائه الصائبة. اما عدم انتظام الأمر له فلا يجوز أن يعزى إلى خطل في الرأي أو نقص في التدبير لأن الأمور كثيرا ما تفسد على أهل الآراء الصائبة نظرا إلى فساد أخلاق الناس وكثرة من يفسد على صاحب الرأي المصيب رأيه وذي التدبير تدبيره ومنه يظهر الجواب عن تغلب معاوية على قسم كبير من المملكة الاسلامية في زمن خلافته ع فان معاوية استطاع بالتمويه على أهل الشام وبمساعدة عمرو بن العاص أن يقنع أهل الشام أن عليا قتل عثمان مع علمه بأنه برئ منه وإن قتل عثمان تستند أقوى أسبابه إلى خذلان معاوية له وهذا لم يكن في استطاعة أي مدبر وصاحب رأي صائب أن يزيله من الأذهان بعد ما تمكن فيها سواء قلنا أن ذلك كان مخاتلة ومخادعة وسعيا وراء الملك أو قلنا أنه كان عن اجتهاد يؤجر صاحبه!!
ولا شئ أعجب من قول من يقول لم لم يول معاوية ويقره على الشام مدة ثم يعزله، فان معاوية كان يعلم علما يقينا لا يخالطه شك بما مارسه وعرفه طول هذه المدة من خلق أمير المؤمنين ع وسيرته أنه لا يمكن أن يبقيه على الولاية ولا بد أن يعزله وكان أدهى من أن ينطلي عليه ذلك فإذا ولاه وهو عالم بأنه سيعزله لم يقبل ويقول له صحح خلافتك أولا ثم ولني وبرئ نفسك من دم عثمان ثم اجعل الأمر شورى ولو ولاه لجعل ذلك حجة عليه فإذا أراد عزله قلب له المجن وطالبه بدم عثمان. قال ابن أبي الحديد في الجواب عن ذلك: ان أمير المؤمنين علم من قرائن الأحوال أن معاوية لا يبايع وإن أقره على ولاية الشام بل كان اقراره عليها أقوى لحال معاوية لأنه إن طالبه بالبيعة وولاه فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده فيؤكد حاله عندهم بأنه لو لم يكن أهلا لذلك لما اعتمده ثم يماطل بالبيعة وإن تقدم بالمطالبة بالبيعة فهو الذي فعله أمير المؤمنين ع وان أقره ثم طالبه بالبيعة فهو كالأول بل آكد فيما يريده معاوية وكيف يتوهم عارف أن معاوية كان يبايع له لو أقره وبينه وبينه ما لا تبرك عليه الإبل من الترات والأحقاد وهو الذي قتل حنظلة أخاه والوليد خاله وعتبة جده في مقام واحد وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية أنه يقبل اقرار علي له وينخدع بذلك ويبايع انه لأدهى من ذلك وأن عليا لأعرف بمعاوية ممن ظن أنه لو استماله باقراره لبايع ولم يكن عند علي دواء لهذا المرض الا السيف لأن الحال إليه كانت تؤول فجعل الآخر أولا ثم ذكر ما اورده الزبير بن بكار في الموفقيات من مكاتبة معاوية بعد قتل عثمان إلى مروان وطلحة والزبير وجماعة آخرين وجوابهم له مما يدل على أن معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة علي ابدا وإن مضادته له كمضادة السواد للبياض وأن عليا ع كان اعرف بما عمل اه. اما المساواة بين الناس في العطاء فإنه كان يرى ذلك عدلا وقسطا يلزمه أو يرجح عنده القيام به وكان يريد أن يمحو ما تفشى بين المسلمين من الاستئثار وتقدم القوي على الضعيف.
قال ابن أبي الحديد واعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين زعموا أن عمر كان أسوس منه وإن كان هو اعلم من عمر ثم زعم أعداؤه ومبغضوه أن معاوية كان أسوس منه وأصح تدبيرا. وأجاب بان السائس لا يتمكن من السياسة البالغة الا إذا كان يعمل برأيه وبما يرى فيه صلاح ملكه سواء وافق الشريعة أو لا والا فبعيد أن ينتظم امره وأمير المؤمنين كان مقيدا بقيود الشريعة ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والتدبير والكيد إذا لم يوافق الشرع إلى أن قال: ولم يمن عمر بما مني به علي من فتنة عثمان


[1] قال ابن أبي الحديد: اي لا تجوز المكيدة علي كما تجوز على ذوي الغفلة ولا أهين ولا ألين للخطب الشديد (اه‌).

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 345
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست