الكريم على رأسه ، ودعاهم
إلى حُكمه. وحتّى إذا لم تجدِ هذه النصائح القيّمة فيهم ، ووضح لديه إصرارهم على
الغيِّ والعناد لله تعالى ولرسوله (ص) ، كشف السّتار عن الإباء العلوي ، الذي
انحنت عليه أضالعه ، ورفع الحجاب عن الأنفة التي كان أبناء علي (ع) يتدارسونها ليلاً
ونهاراً ، وتلهج بباب أنديتهم ، فقال صلوات الله عليه :
«ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعيّ قد ركز
بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة. يأبي الله لنا ذلك ورسوله
والمؤمنون ، وحجورٌ طابت وطهرت ، واُنوف حميّة ، ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام
على مصارع الكرام. ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة على قلّة العدد ، وخذلان الناصر».
هذه وصايا الشريعة المطهّرة ، وأحكامها
الباتّة في الدعوة إلى الحقِّ ، والنّهضة لسدِّ باب الباطل. وكما ألزمت جهاد
المضلّين المشركين أباحت ترك الجهاد للصبي ، والمقعد ، والأعمى ، والشيخ الكبير ، والمرأة
، والبالغ الذي لم يأذن له أبواه. لكن مشهد (الطفِّ) خرق ناموسها الأكبر ، وجاز
تلك المقررات جرياً على المصالح والأسرار التي قصرت عنها أحلام البشر ، وقد
تلقّاها أبيّ الضَيم (عليه السّلام) من جدّه المنقذ الأكبر ، وأبيه الوصي المقدَّم.
فالحسين (ع) لم يشرِّع سُنّة اُخرى في
الجهاد ، وإنّما هو درسٌ إلهيّ أثبته اللوح الأقدس في عالم الإبداع ، محدد الظرف
والمكان ، تلقّاه الأمين جبرئيل (ع) وأفاضه على حبيب الله وصفيه محمّد (ص) ، فأودعه
صاحب الدعوة الإلهية عند ولده سيد الشهداء (ع).
فكلُّ ما يُشاهَد في ذلك المشهد الدامي
من الغرائب التي تنحسر عن الوصول إلى كنهها عقول الرجال ؛ فهو ممّا آثر المولى
سبحانه به وليّه وحجّته أبا عبد الله الحسين (ع).
[١] من قصيدة في
الحسين (ع) للسيد حيدر الحلّي رحمه الله.