كان المغزى الوحيد لشهيد الدين ، وحامية
الإسلام الحسين بن أمير المؤمنين (ع) إبطال اُحدوثة الاُمويين ، ودحض المعرات عن
قدس الشريعة ، ولفت الأنظار إلى براءتها وبراءة الصادع بها عمّا ألصقوه بدينه ؛ من
شية العار ، والبدع المخزية ، والفجور الظاهرة ، والسياسة القاسية [١].
فنال سيد الشهداء (عليه السّلام) مبتغاه بنهضته الكريمة ، وأوحى إلى الملأ الديني
ما هنالك من مجون فاضح ، وعرّف الناس (بيزيد المخازي) ومَن لاث به من قادة الشر
وجراثيم الفتن ، فمجّتهم الأسماع ، ولم يبقَ في المسلمين إلا من يرميهم بنظرة
شزراء حتّى توقدت عليهم العزائم ، واحتدمت الحمية الدينية من اُناس ونزعات من
آخرين ، فاستحال الجدال جلاداً ، وأعقبت بلهنية عيشهم حروباً دامية أجهزت على
حياتهم ، ودمرت ملكهم المؤَسَّس على أنقاض الخلافة الإسلامية من دون أية حنكة أو
جدارة ، فأصاب هذا الفاتح الحسين (ع) شاكلة الغرض بذكره السائر ، وصيته الطائر ، ومجده
المؤثل ، وشرفه المعلّى (وَلا تَحسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عندَ رَبِّهِمْ
يُرزَقُونَ).
لا أجدك أيها القارىء وأنت تسبر التاريخ
، وتتحرّى الحقائق بنظر التحليل ، إلا وقد تجلّت لك نفسيّة (أبيِّ الضيم) الشريفة
، ومغزاه المقدّس ونواياه الصالحة ، وغاياته الكريمة في حلِّه ومرتحله ، وفي
إقدامه وإحجامه في دعواه ودعوته ، ولا أحسبك في حاجة إلى التعريف بتفاصيل تلكم
الجمل بعد أن
[١] يتحدث الاستاذ
أحمد أمين في ضحى الإسلام ١ ص ٢٧ ، عن الحكم الاموي فيقول : الحق إنّ الحكم الاموي
لم يكن حكماً إسلامياً يساوى فيه بين الناس ، ويُكافئُ المحسن ، عربياً كان أو
مولى ، ويعاقب المجرم ، عربياً كان أو مولى ، وإنّما الحكم فيه عربي ، والحكّام
خَدمة للعرب ، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية.