المدرك الصحيح ـ وهو رواية زرارة المتقدّمة [١] واضحة الدلالة ، حيث إنّه حدّد فيها البعد بما لا
يتخطّى ـ الأصحاب كأنّهم أعرضوا عنها وأرجعوا الأمر إلى العرف ، مع أنّه لا وجه له
ولا عذر لهم في ذلك.
وأعجب من ذلك
تعبير بعضهم في المسألة بالاستبعاد ، مع أنّه لا محلّ له أصلا ؛ ضرورة أنّ المقام
ليس إلّا كسائر التحديدات الشرعيّة حسبما تقدّم ، وليس أمرا حادثا غريبا مضافا إلى
انسداد باب العلم إلى ملاكات الأحكام بالنسبة إلينا.
وبالجملة ؛
الظاهر أنّ نظرهم في ذلك ـ أي إرجاع التحديد إلى العرف وعدم التزامهم بما يظهر من
الرواية ـ إلى تحكيم ما في ذيل الرواية على بعض النسخ على صدرها ؛ لمكان التعبير
في الذيل بلفظ «ينبغي» الظاهر في الاستحباب ، فيستفاد منه أنّ ما في الصدر من أنّه
لا يكون بين الإمام والمأموم مقدار ما لا يتخطّى ، المراد به كراهة البعد بهذا
المقدار ، لا أن يكون حكما إلزاميّا.
ولعلّ استبعاد
بعض الأعاظم أيضا يرجع إلى ذلك ، فاستبعد أن يكون الأمر بالعكس ، ويكون الصدر
شاهدا على الذيل ، وإلّا فشأنهم من رجوع الاستبعاد إلى أصل تشريع الحكم ، كما لا
يخفى.
وكيف كان ؛ ما
ذكروا إنّما يتمّ بناء على أن تكون معارضة بين الصدر والذيل ، مع أنّه ليس كذلك
أصلا.
وذلك ؛ لأنّه
أمّا الصدر فهو راجع إلى بيان حكم كلّ من الإمام والمأمومين بأنفسهم ، من حيث ما
يعتبر بينهم من المقارنة والاتّصال ، وليس متعرّضا لما بين الصفوف لأمرين :