النفس درناً لا يزول
، فمقتضى العدل أو الفضل والرحمة إفناؤها بنارها ، لسبقة الرحمة للغضب. [١]
٢. يؤكد القرآن على أن الجزاء مماثل
للسيئة ، فقال تعالى : (
وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )
، [٢] وأنّ أي عمل فهو محدود بطبيعة
الحال زمنياً وفي كيانه وأثره ، فليكن الجزاء الذي لا يزيد عن العمل ـ بل
هو نفس العمل بملكوته وذاته ـ ليكن ذلك الجزاء أيضاً محدوداً ومماثلاً له
في السوء (
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ... )[٣] فاذا كان الخلود في العذاب خلوداً
أبدياً ، ففي هذه الصورة لا يكون الجزاء مماثلاً للعمل ، ولا يكون العذاب
اللانهائي جزاءً وفاقاً لمحدودية العمل وعدم محدودية الجزاء ، وكيف نسمح
لأنفسنا كموحدين أن نظن هكذا ظلم وقساوة برب العالمين ؟ وهذا افتراء على
الله ، وكتابه دال على حدود العذاب. [٤]
والجواب عن هذه الأدلة نوكله إلى الفصل
الرابع إن شاء الله تعالى.
٦. الجهم بن صفوان (
المتوفى ١٢٨ ه )
ونسب إلى الجهم بن صفوان القول بفناء
الجنة والنار وفناء أهلها ، قال ابن حزم : اتفقت فرق الاُمة كلها على أنه
لافناء للجنة ولا لنعيمها ، ولا للنار ولا لعذابها إلّا الجهم بن صفوان
وأبا الهذيل العلاف وقوماً من الروافض ، فأما جهم فقال : إن الجنة والنار
يفنيان ويفنى أهلها. [٥]
وقال القاضي علي بن أبي العز ( المتوفى ٧٢٢ ه ) : وهذا قاله لأصله الفاسد
الذي اعتقده ، وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث ، فرأى جهم أن ما
يمنع من حوادث لا أول لها في