وجرى حوار طويل بين الطرفين وجدال لم
يتوصّلا فيه إلى نتيجة حاسمة ترضي الطرفين ، فلقد أبى الحرّ أن يمكِّنَ الحسينَ من
الرجوع إلى الحجاز ، أو سلوك الطريق المؤدّية إلى الكوفة ، وأبى الحسين عليهالسلام أن يستسلم ليزيد
وابن زياد [١]،
وكان ممّا قاله الحسين عليهالسلام
وهو واقف بينهم خطيباً : «أيّها
النّاس ، إنّي لم آتِكم حتّى أتتني كتبُكم وقدمِتْ عليّ رُسُلُكُم أنِ اقدم علينا
؛ فإنّه ليس لنا إمام ، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهُدى والحقِّ. فإن كنتم على
ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئنُ إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم
لمقدمي كارهين اِنْصَرَفْتُ عنكم إلى المكانِ الذي جئتُ مِنه إليكم».
فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة ، فقال للحرّ : «أتريد أن تصلّيَ
بأصحابك؟». قال : لا ، بل تُصلّي أنت ونصلّي
بصلاتك ، فصلّى بهم الحسين عليهالسلام[٢].
وبعد أن صلّى الإمام عليهالسلام بهم العصر خاطبهم
بقوله : «أمّا بعد ،
فإنّكم إنْ تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكونوا أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت
محمّد ، وأولى بولاية هذا الأَمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرينَ
فيكم بالجوْرِ والعدوانِ ، وإنْ أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا ، وكان
رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم ، وقدمت به عليَّ رُسُلُكُم انصرفت عنكم»
[٣]، فقال له
الحرّ : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فقال الحسين عليهالسلام لبعض أصحابه : «يا عقبة بن سمعان ،
أخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم إليَّ».
فأخرجَ خرجين مملوءين صُحُفاً فنُثرت بين يديه. فقال له الحرّ : إنّا لسنا من
هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أُمِرْنا إذا نحن لقيناك ألاّ