ثمّ لا يخفى
أنّ كلّا من تلك المسالك الثلاثة سبيل إلى الحقّ تعالى للمستعدّ له ، يوصله إلى ما
هو المقرّر له لا محالة ، فلا للفائزين بالأوّل إنكار الصنفين الأخيرين وتكفير هما
، ولا لهما الإنكار على الأوّل إذا لم يكن مستعدّا لأزيد ممّا بلغه وفاز به ؛ إذ
لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها ؛ وفي المقام كنوز حقائق يمنعني عن إظهارها قصور
الأفهام.
الرابعة
: في نسبة
المشيئة وإثباتها للمخلوق تصريح بأنّهم ليسوا مجبورين في أمر الهداية والضلالة ،
بل أعطاهم الاختيار ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر.
وإشارة إلى أنّ
الأليق بحالهم اختيار الهداية ، فإنّه لقد ذكّرهم بالآيات ، وأزاح عنهم الشبهات ،
فمن أظلم ممنّ ذكّر بآيات الله ثمّ أعرض عنها.
الخامسة
: المراد
بالسبيل هو التذكّر والتفكّر في شعشعانيّات آيات الحقّ ، فإنّ ذلك يوصل العبد إلى
مقامات قرب الله ، ويؤويه في حرم انس الله ويجلسه في بساط إجلال الله ، أي هذه الآيات
تذكرة للمستعدّين ، فمن شاء فليتذكّر بها حتّى يفوز بلئالئ حقائق حكمة الله ،
ويلتذّ بعسل مصفّى من معارف قدس الله ، كما قال : (كَلَّا إِنَّها
تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) ... [١] إلى آخره.
ثمّ التذكّر
على ثلاثة أنواع :
الأوّل :
التذكّر لعين التوحيد ، أي تنزيه الحقّ عن الشريك ، وهو عبارة عن استغراق العبد في
لجّة الأحديّة ، واضمحلال عينه ، ورسم فكره ، ودليله في عين الواحديّة ، فإنّ كلّ
ذلك حجب عن المطلق ، وذلك معنى فناء الكلّ